للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنتم وهم عبيد له؟

وقد أمر سبحانه بالخوف منه في قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} (١) [آل عمران/ ١٧٥]، فجعل الخوف منه شرطًا في تحقّق الإيمان، وإن كان الشرط داخلًا في الصيغة على الإيمان فهو المشروط في المعنى، والخوف شرط في حصوله وتحقّقه. وذلك لأنَّ الإيمان سبب الخوف الحامل (٢) عليه، فحصول (٣) المسبَّب شرط في تحقّق السبب، كما أنَّ حصول السبب موجب لحصول مسبَّبه. فانتفاءُ الإيمان عند انتفاءِ الخوف انتفاءٌ للمشروط عَند انتفاء شرطه، وانتفاءُ الخوف عند انتفاءِ الإيمان انتفاءٌ للمعلول عند انتفاء علَّته. فتدبَّره! والمعنى: إن كنتم مؤمنين فخافوني. والجزاءُ محذوف مدلولٌ عليه بالأوَّل عند سيبويه وأصحابه، أو هو المتقدّم نفسه، وهو جزاءٌ وإن تقدّم كما هو مذهب الكوفيين. وعلى التقديرين فأداة الشرط قد دخلت على السبب المقتضي للخوف وهو الإيمان. وكل منهما مستلزمٌ للآخر، لكنَّ الاستلزام مختلف؛ وكلٌّ منهما منتفٍ عند انتفاء الآخر، لكن جهة الانتفاءِ مختلفة، كما تقدّم. والمقصود: أنَّ الخوف من لوازم الإيمان وموجباته، فلا يتخلَّف (٤) عنه.

وقال تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة/ ٤٤]. وقد


(١) في الأصل و"ف": "وخافوني" على قراءة أبي عمرو في الأصل. انظر: الإقناع (٦٢٦).
(٢) "ك، ط": "الحاصل"، تحريف.
(٣) "ط": "وحصول".
(٤) "ط": "يختلف"، تحريف.