للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه، فقال تعالى عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء/ ٩٠]. فالرغَب: الرجاءُ والرغبة، والرهب: الخوف والخشية. وقال عن ملائكته الذين قد آمنهم من عذابه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} [النحل/ ٥٠].

وفي الصحيح عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "إنِّي أعلمُكم باللَّه وأشدُّكم له خشيةً" (١). وفي لفظ آخر: "إنِّي أخوَفُكم للَّه وأعلمُكم بما أتَّقِي" (٢). وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلِّي ولصدره أزيزٌ كأزيز المِرجَل من البكاءِ (٣). وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)} [فاطر/ ٢٨] فكلَّما كان العبد باللَّه أعلَم كان له أخوفَ. قال ابن مسعود: "كفى بخشية اللَّه علمًا" (٤). ونقصان الخوف من اللَّه إنَّما هو لنقصان معرفة العبد به، فأعرف الناس أخشاهم للَّه. ومن عرف اللَّه اشتدَّ حياؤه منه وخوفه له وحبّه له، وكلَّما ازداد معرفةً ازداد حياءً وخوفًا وحبًّا.

فالخوف من أجلّ منازل الطريق، وخوفُ الخاصّة أعظم من خوف


(١) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (٦١٠١) وغيره، ومسلم في الفضائل (٢٣٥٦) عن عائشة رضي اللَّه عنها.
(٢) أخرجه مسلم في الصيام (١١١٠) عن عائشة رضي اللَّه عنها. ولفظه: "وإنّي لأرجو أن أكون أخشاكم للَّه وأعلمكم بما أتَّقي".
(٣) أخرجه أبو داود (٩٠٤)، والنسائي (٣/ ١٣)، وفي الكبرى له (٥٤٤، ٥٤٥)، وابن خزيمة (٩٠٠)، وابن حبان (٦٥٥، ٧٥٣)، والحاكم (٩٧١) وغيرهم من حديث عبد اللَّه بن الشخير. وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووافقه الذهبي. (ز).
(٤) تقدم تخريجه في ص (٥٨٩).