للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومأمور أن يجاهد أربابَها بحسب الإمكان، فيترتَّبُ له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه وآخرته ما لم يكن ينال بدون ذلك.

والمقصود بالقصد الأَوَّل إتمام نعمته تعالى على أوليائه ورسله وخاصته، فاستعمالُ أعدائه فيما تكمل به النعمة على أوليائه غايةُ الحكمة، وكان في تمكين أهل الكفر والفسوق والعصيان من ذلك إيصالُ أوليائه (١) إلى الكمال الَّذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء، وجهادِهم، والإنكار عليهم، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، وبذل نفوسهم وأموالهم وقواهم له. فإنَّ تمام العبودية لا يحصل إلا بالمحبة الصادقة، وإنَّما تكون المحبة صادقةً إذا بذل فيها المحبُّ ما يملكه من مال ورئاسة وقوَّة في مرضاة محبوبه والتقرب إليه، فإن بذل له روحَه كان هذا أعلى درجات المحبة.

ومن المعلوم أنَّ من لوازم ذلك التي لا يحصل إلا بها أن يخلق ذواتٍ (٢) وأسبابًا وأعمالًا وأخلاقًا وطبائع تقتضي معاداةَ من يحبه ويؤثر مرضاته لها، وعند ذلك تتحقق المحبة الصادقة من غيرها. فكل أحد يحبُّ الإحسان والرَّاحة والدَّعَة واللذّة، ويحب من يوصل إليه ذلك ويُحصّله له، ولكن الشأن في أمرٍ وراءَ هذا، وهو محبتُه سبحانه ومحبةُ ما يحبه ممَّا هو أكرهُ شيءٍ إلى النفوس، وأشقُّ شيء عليها ممَّا لا يلائمها. فعند حصول أسباب ذلك يتبين من يحب اللَّه لذاته ويحب ما يحب، ممن يحبُّه لأجل مخلوقاته فقط من المأكل والمشرب والمنكح


(١) "أوليائه" ساقط من "ك، ط".
(٢) في الأصل: "ذواتًا"، ولعله سهو. وكذا في غيره.