للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعلى. ومعلوم أنَّ هذه النفس فيها من الشرِّ والخبث ما فيها، فلا بدَّ من خروج ذلك منها من القوَّة إلى الفعل، ليترتَّب على ذلك الآثارُ المناسبة لها ومساكنةُ من تليق مساكنتُه ومجاورة الأرواح الخبيثة في المحلِّ الأسفل. فإنَّ هذه النفوس إذا كانت مهيَّأةً لذلك فمن الحكمة أن تُستخرَج منها الأسبابُ التي تُوصِلها إلى ما هي مهيأة له، ولا يليق بها سواه.

والرب تعالى محمود على ذلك أيضًا، كما هو محمود على إنعامه وإحسانه على أهل الإحسان والإنعام القابلين له، فما كل أحد قابلًا لنعمته تعالى، فحمده وحكمته يقتضي (١) أن لا يُودِعَ نعمَه وإحسانَه وكنوزَه في محل غير قابل لها.

ولا يبقى إلا أن يقال: فما الحكمة في خلق هذه الأرواح التي هي غيرُ قابلةٍ لنعمته؟ فقد تقدَّم من الجوابِ عن ذلك ما فيه كفاية (٢)، وأنَّ خلق الأضداد والمتقابلات (٣) وترتيب آثارها عليها هو (٤) موجَب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزَّته، وأنَّ تقدير عدمِ ذلك هضمٌ من جانب الربوبية.

وأيضًا فإنَّ هذه الحوادث نعمة في حق المؤمن، فإنَّها إذا وقعت فهو مأمور أن يُنكِرَها بقلبه ويده ولسانه، أو بقلبه ولسانه فقط، أو بقلبه فقط؛


(١) لم ينقط حرف المضارعة في الأصل، ولا في "ف، ن". وفي "ط": "تقتضي" أي الحكمة، ولعل الأُولى ما أثبتناه من "ك"، ليرجع الضمير إلى الأول وهو الحمد.
(٢) انظر ما سلف في ص (٢١٢).
(٣) "ك، ط": "المقابلات".
(٤) "هو" ساقط من "ك، ط". وفي "ف، ن": "من" تحريف.