للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دوِّيَّةٍ (١) مهلكةٍ عليها طعامه وشرابه، فأيس منها ومن الحياة، فنام، ثمَّ استيقظ، فإذا بها قد تعلَّق خطامُها في أصلِ شجرةٍ، فجاءَ حتَّى أخذها = فاللَّهُ أفرحُ بتوبة العبد حين يتوب إليه من هذا براحلته (٢).

فهذا الفرحُ العظيم الَّذي لا يشبهه شيء أحبُّ إليه سبحانه من عدمه، وله أسباب ولوازم لا بدَّ منها. وما يحصل بتقدير عدمه من الطاعات وإن كان محبوبًا له، فهذا الفرح أحبُّ إليه بكثير، ووجوده بدون لازمه ممتنع. فله من الحكمة في تقدير أسبابه وموجباته حكمة بالغة ونعمة سابغة.

هذا بالإضافة إلى الرب جلَّ جلاله، وأمَّا بالإضافة إلى العبد فإنَّه قد يكون كمالُ عبوديته وخضوعه موقوفًا على أسباب لا يحصل (٣) بدونها. فتقديرُ الذنب عليه إذا اتصل به التوبةُ والإنابة والخضوع والذل والانكسار ودوام الافتقار كان من النعم باعتبار غايته وما يُعقِبه، وإن كان من الابتلاء والامتحان باعتبار صورته ونفسه؛ والربُّ تعالى محمود على الأمرين. فإن اتصل بالذنب الآثارُ المحبوبةُ (٤) للرب سبحانه من التوبة والإنابة والذل والانكسار فهو عين مصلحة العبد، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية.

وإن لم يتصل به ذلك فهذا لا يكون إلا من خُبث نفسه، وشرّه، وعدم استعداده لمجاورة ربه بين الأرواح الزكية الطاهرة في الملأ


(١) الدوية: الصحراء الواسعة التي لا نبات فيها.
(٢) يشير إلى حديث الصحيحين، وسيأتي في ص (٥١٢).
(٣) "ط": "تحصل"، خطأ.
(٤) "ف": "المحمودة"، خلاف الأصل.