للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما محتاج إلى الشكر والصبر، وأنَّه قد يكون صبرُ الغنيّ أكملَ من صبر الفقير، كما قد يكون شكر الفقير أكمل من شكر الغنيّ. فليس التفضيل بينهما بالغنى ولا بالفقر، وإنَّما هو بالأعمال (١). فأفضلهما أعظمُهما شكرًا وصبرًا، فإن فضل أحدُهما في ذلك فضل صاحبُه. فالشكر مستلزم للصبر لا يتمّ إلا به. والصبر مستلزم للشكر لا يتمّ إلا به. فمتى ذهب الشكر ذهب الصبر، ومتى ذهب الصبر ذهب الشكر.

وإن كان في بليّة ففرضها الصبر والشكر أيضًا. أمَّا الصبر فظاهر، وأمَّا الشكر فللقيام بحقّ اللَّه عليه في تلك البليّة. فإنَّ للَّه على العبد عبوديّةً في البلاء، كما له عليه عبوديةٌ في النعماءِ، وعليه أن يقوم بعبوديته في هذا وهذا، فعُلِمَ أنَّه لا انفكاك له عن الصبر ما دام سائرًا إلى اللَّه.

الوجه الثالث: أنَّ الصبر ثلاثة أقسام: إمَّا صبرٌ عن المعصية فلا يرتكبها، وإمَّا صبرٌ على الطاعة حتَّى يؤدّيها، وإمَّا صبرٌ على البليّة فلا يشكو ربَّه فيها. وإذا (٢) كان العبد لابدَّ له من واحد من هذه الثلاث (٣)، فالصبر لازم له أبدًا، لا خروجَ له عنه البتة.

الوجه الرَّابع: أنَّ اللَّه تعالى ذكر الصبر في كتابه في نحو تسعين موضعًا (٤)، فمرَّةً أمر به، ومرَّةً أثنى على أهله، ومرَّةً أمر نبيَّه أن


(١) "من شكر الغني. . " إلى هنا ساقط من "ط".
(٢) في "ط": "وإن"، وصحح في القطرية.
(٣) كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "الثلاثة". وقد غيّر بعضهم في "ك" في النصّ ليكون "الثلاثة".
(٤) كذا نقله المؤلف في مدارج السالكين (٢/ ١٨٣) عن الإمام أحمد. وعنه في المدارج أيضًا (١/ ١٧٤) قال: "أو بضعًا وتسعين". وانظر أيضًا: عدة الصابرين (١١٥)، والفتاوى (١٠/ ٣٩). وهي ثلاثة ومائة موضع حسب المعجم =