للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فساده، وأنَّ الخاصَّة أشدّ خوفًا للَّه (١) من العامَّة.

الوجه الثالث: قوله: "الغافلُ (٢) يعبد ربَّه على وحشةٍ من نظره ونفرةٍ من الأنس به عند ذكره {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} الآية [الشورى/ ٢٢] ".

فهذا إنَّما هو وحشة ونَفار، وهو غير الخوف، فإنَّ الوحشة إنَّما تنشأ من عدم الخوف. وأمَّا الخوف فإنَّه يوجب هروبًا إلى اللَّه، وجمعيّةً عليه، وسكونًا إليه؛ فهي مخافة مقرونة بحلاوة وطمأنينة وسكينة ومحبَّة، بخلاف خوف المسيء الهارب من اللَّه، فإنَّه خوف مقرون بوحشة ونفرة. فخوفُ الهارب إليه سبحانه محشوٌّ بالحلاوة والسكينة والأنس، لا وحشة معه، وإنَّما يجد الوحشة من نفسه. فله نظران: نظرٌ إلى نفسه وجنايته، فيُوجب له وحشةً؛ ونظر إلى ربِّه وقدرته عليه وعزّه وجلاله، فيوجب له خوفًا مقرونًا بأنس وحلاوة وطمأنينة.

الوجه الرابع (٣): أنَّ استشهاده بقوله: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الشورى/ ٢٢] ليس استشهادًا صحيحًا، فإنَّ هذا وصفٌ لحالهم في الآخرة عند معاينة العذاب أو عند الموت. فهذا إشفاقٌ مقرونٌ بالاستيحاش؛ لأنَّه قد علم أنَّه سائر إليه، كمن قُدِّم إلى العقوبة، ورأى أسبابها، فهو مشفق منها إذا رآها، لعلمه بأنَّه صائر إليها.


(١) كلمة "للَّه" ساقطة من "ب، ك، ط".
(٢) "ط": "العاقل"، تصحيف.
(٣) وقع في الأصل: "الثالث" سهوًا، ثمَّ استمرَّ الخطأ فيه إلى آخر الوجوه، وهو "الثاني عشر" وصوابه: الثالث عشر. وقد صحح الترقيم هنا وفي الوجه التالي في "ف، ب، ك". ولكن لما وصل الكلام -بعد طول الفصل- إلى الوجه السادس تابعت كلُّها الأصلَ في سهوه، فأثبتت: "الخامس"، وهلُمّ جرًّا.