للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استدعى منه أن يجعل غضبَه غالبًا على رحمته، وعقوبَته على إحسانه؛ وهو سبحانه يحبُّ من نفسه الإحسان والبر والإنعام، فقد استدعى من ربِّه فعلَ ما غيرُه أحبُّ إليه منه.

وهو بمنزلة عبد السَّوءِ (١) الذي يحمل أستاذَه من المخلوقين المحسنَ إليه، الذي طبيعتُه الإحسان والكرم، على خلاف مقتضى طبيعته وسجيّته. فأستاذه يحب بطبعه (٢) الإحسان، وهو بإساءته ولؤمه يُكلِّفه ضدَّ طباعه، ويحمله على خلاف سجيته. فإذا راجع هذا العبدُ ما يحبُّ سيّدُه، ورجع إليه، وأقبل عليه، وأعرض (٣) عن عدوِّه، فقد صار إلى الحالِ التي تقتضي محبَّة سيّده له وإنعامه عليه وإحسانَه إليه، فيفرح به -ولا بُدَّ- أعظمَ فرح، وهذا الفرحُ هو دليلٌ على (٤) غاية الكمال والغنى والمجد.

فليتدبّر اللبيبُ وجود هذا الفرح ولوازمه وملزوماته يجدْ في طيِّه من المعارف الإلهية ما لا تتّسع له إلا القلوب المهيّأة لهذا الشأن المخلوقةُ له. وهذا فرحُ محسن برّ لطيف جواد غني حميد، لا فرَحُ محتاجٍ إلى حصول ما يفرح به (٥)، مستكمل (٦) به، مستفيد (٧) له من غيره. فهو عين


= واحد، لم تأمن قلب الهزيمة عليك".
(١) "ب": "العبد السوء".
(٢) "ب، ك، ط": "لطبعه".
(٣) "ك، ط": "رجع".
(٤) "على": ساقط من "ب، ك، ط".
(٥) "ما يفرح به" ساقط من "ط".
(٦) "ب، ك، ط": "متكمل".
(٧) "ط": "مستقبل"، تحريف.