للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في النَّار (١) لمعبوديهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء/ ٩٧ - ٩٨]. فهذه تسوية في المحبَّة والتألُّه (٢)، لا في الذات والأفعال والصفات.

والمقصود أنَّه سبحانه يحبّ نفسَه أعظمَ محبَّة، ويحبُّ من يحبّه. وخلق خلقه لذلك، وشرع شرائعه وأنزل كتبه لأجل ذلك، وأعدَّ الثواب والعقاب لأجل ذلك. وهذا هو محض الحقِّ الذي به قامت السماوات والأرضِ، وكان الخلق والأمر. فإذا قامَ به العبدُ فقد جاء منه الأمر (٣) الذي خُلِقَ له، فرضيَ عنه صانعه وبارئه وأحبَّه، إذ كان كما يحب ويرضى.

فإذا صدف عن ذلك، وأعرض عنه، وأبق عن مالكه وسيّده؛ أبغضه ومقته، لأنَّه خرج عمَّا خُلِقَ له، وصار إلى ضدِّ الحال التي هُيِّئ لها (٤)، فاستوجب منه غضبه بدلًا من رضاه، وعقوبته بدلًا من رحمته. فكأنَّه استدعى من ربِّه (٥) أن يعامله من نفسه بخلاف ما يحبّ، فإنَّه سبحانه عفوٌّ يحبُّ العفو، محسنٌ يحبّ الإحسان، جوادٌ يحبُّ الجود، سبقت رحمتُه غضبَه. فإذا أبقَ منه العبدُ، وخامرَ عليه (٦) ذاهبًا إلى عدوِّه، فقد


(١) "في النار" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ط": "التأليه".
(٣) كذا في الأصل وفي "ف، ب". وفي "ك، ط": "فقد قام بالأمر".
(٤) "ك، ط": "التي هو لها"، تحريف.
(٥) "ط": "من رحمته"، خطأ.
(٦) المخامرة على فلان: المؤامرة والمواطأة عليه. تعبير مولد لم يذكر في كتب اللغة. قال المصنّف في الداء والدواء (١٥١): "بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه"، وفي بدائع الفوائد (١٢١٠): "متى خامر من جنود عزمك عليك =