للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السؤال الأوَّل، وقد بينَّا أنَّ لوازم هذا الخلق وهذه النشأة وهذا العالَم لا بدَّ منها، فلو قُدِّرَ عدمُها لم يكن هذا العالم بل عالمًا آخر ونشأةً أخرى وخلقًا آخر.

وبينَّا أنَّ هذا السؤال بمنزلة أن يقال: هلَّا تجرد الغيث والأنهار عمَّا يحصل به من تغريق وتعويق (١) وتخريب وأذى؟ وهلَّا تجردت الشمس عمَّا يحصل منها من حرّ وسموم وأذى؟ وهلا تجردت طبيعة الحيوان عمَّا يحصل له من ألم وموت وغير ذلك؟ وهلَّا تجردت الولادة عن (٢) مشقة الحمل والطلق وألم الوضع؟ وهلَّا تجرَّد بدن الإنسان (٣) عن قبوله للآلام والأوجاع واختلاف الطبائع الموجبة لتغيّر أحواله؟ وهلَّا تجردت فصول العام عمَّا يحدث (٤) فيها من البرد الشديد القاتل، والحر الشديد المؤذي؟

فهل يقبل عاقل هذا السؤال أو يورده؟ وهل هذا إلا بمنزلة أن يقال: لمَ كان المخلوق فقيرًا محتاجًا، والفقرُ والحاجةُ صفةُ نقص، فهلَّا تجرد منها وخُلِعت عليه خلعةُ الغنى المطلق والكمال المطلق؟ فهل يكون مخلوقًا إذا كان غنيًّا غنًى مطلقًا، ومعلوم أنَّ لوازم الخلق لا بدَّ منها فيه؟

ولا بدَّ للعلو من سفل، وللسفل (٥) من مركز. ولوازمُ العلو من السعة والإضاءة والبهجة والخيرات، وما هناك من الأرواح العلوية النيرة المناسبة لمحلها، وما يليق بها ويناسبها من الابتهاج والسرور والفرح والقوَّة


(١) "وتعويق" ساقط من "ط".
(٢) "ط": "من"، وأصلح في القطرية.
(٣) "ك": "الحيوان".
(٤) "يحدث" ساقط من "ك، ط". وفي "ن": "يحصل".
(٥) "ط": "والسفل".