للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتجرد من علائق المواد السفلية (١) لا بدَّ منها. ولوازم السفل والمركز من الضيق والحصر، ولوازم ذلك من الظلمة والغلظ والشر، وما هنالك من الأرواح السفلية المظلمة الشرِّيرة وأعمالها وآثارها لا بدَّ منها (٢).

فهما عالمان علوي وسفلي، ومحلَّان وساكنان تناسبهما مساكنهما وأعمالهما وطبائعهما، وقد خُلِقَ كلٌّ (٣) من المحلّين معمورًا بأهليه وساكنيه، حكمةً بالغةً وقدرةً قاهرةً. وكلٌّ من هذه الأرواح لا يليق بها غيرُ ما خُلِقَتْ له ممَّا يناسبها ويشاكلها. قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء/ ٨٤] أي على ما يشاكله ويناسبه ويليق به، كما يقول النَّاس: "كل إناءٍ بالذي فيه ينضَح" (٤).

فمن أرادَ (٥) من الأرواح الخبيثة السفلية أن تكون مجاورةً للأرواح الطيبة العلوية في مقام الصدق بين الملأ الأَعلى فقد أراد ما تأباه حكمةُ أحكم الحاكمين. ولو أنَّ ملِكًا من ملوك الدنيا جعل خاصَّته وحاشيته سِفْلةَ النَّاس وسَقَطَهم وغَرَثَهم (٦) الذين


(١) "ط": "العلية"، تحريف، وكذا كان في "ك"، فأصلح في المتن.
(٢) "ك": "منه".
(٣) "ك، ط": "كلًّا".
(٤) ويروى "يرشح". انظر: مجمع الأمثال (٣/ ٥٨)، وعلى الوجهين روي قول كشاجم (ديوانه: ٩٢):
ويأبى الذي في القلب إلّا تبيّنًا ... وكلُّ إناءٍ بالَّذي فيه ينضَحُ
(٥) "ط": "أرادت".
(٦) كذا في الأصل وغيره. وفي ط: "غِرَّتهم". لم تثبت كتب اللغة ما ورد في الأصل، وقد اقتبسه المؤلف من قول الجنّة في حديث المحاجّة بينها وبين النار: "ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وغرثهم وسقطهم". أخرجه مسلم (٢٨٤٦). وضبطه القاضي عياض في إكمال المعلم (٨/ ٣٧٧) بفتح الغين =