للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المناضلة لحصل الاستسلام للعقوبة. والمناضلة المحذورة: المناضلة عن محبوبات الرب وأوامره. وليس الضنُّ بالنفس عن عذاب اللَّه بنقصٍ (١)، بل الكمال والفوز والنعيم في ضنّ العبد بنفسه عن أن يسلمها لعذاب اللَّه، ومن لم يضنّ بنفسه فليس فيه خير البتّة. والضنّ بالنفس إنَّما يُذَمّ إذا ضنّ بها عن بذلها في محبوب الربّ تعالى وأوامره، وأمَّا إذا ضنَّ بها عن عذابه فهل يكون هذا علّةً؟ وهل العلّة كلُّها إلا في عدم هذه المناضلة والضنّ؟

قوله: "وهيبة الجلال تعظيم الحقّ ونسيان النفس". قد تقدَّم الكلام في الهيبة والتعظيم، وأنَّهما غير الخوف والخشية (٢). ولا تستلزم هذه الهيبة أيضًا نسيانَ النفس، ولا يكون شعور العبد بنفسه في هذا المقام نقصًا ولا علّةً، كما تقدَّم، بل هو أكمل لاستلزامه البقاء الذي هو أقوى وأكمل من الفناءِ.

وأمَّا قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} فهو حجّة عليه، كما تقدَّم. ولا يصحّ تفسير الخوف هنا بالهيبة لوجهين: أحدهما: أنَّه خروج عن حقيقة اللفظ ووضعه الأصلي بلا موجب، الثاني: أنَّ هذا وصفٌ للملائكة، وقد وصفهم سبحانه بخوفه وخشيته. فالخوف في هذه الآية، والخشية في قوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)} [الأنبياء/ ٢٨]. فوَصَفهم بالخشية والإشفاق. ووصَفَهم بخوف العذاب في قوله: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء/ ٥٧]، وهم


(١) "ب، ك": "نقص"، وهو خطأ، لأنّه خبر ليس، فنصبه الناشر في "ط".
(٢) انظر: ص (٦٣٢).