للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمَّا فيه حظّك وفلاحك وإن كان صعبًا عليها.

وهذا وإن كان ذبحًا لها وإماتةً عن طباعها وأخلاقها، فهو عينُ حياتها وصحّتها، ولا حياة لها بدون هذا البتّة. وهذه العقبة هي آخر عقبة يُشرِف منها على منازل المقرّبين، وينحدر منها إلى وادي البقاء، ويشرب من عين الحياة، وتخلص (١) روحه من سجون المحن والبلاء وأسر الشهوات، وتتعلَّق بربِّها ومعبودها ومولاها الحق. فيا قرَّةَ عينها به! ويا نعيمها وسرورها بقربه! ويا بهجتها بالخلاص من عدوّها، ومصيرها إلى وليّها ومولاها (٢) ومالك أمرها ومتولِّي مصالحها!

وهذا الزهد هو أوَّل نَقْدةٍ من مَهر الحبّ، فيا مفلسُ تأَخَّرْ!

والنوع الثاني: غاية وكمال. وهو أن تبذلها (٣) للمحبوب جملةً بحيث لا تستبقي منها شيئًا، بل تزهد فيها زهدَ المحبّ في قدر خسيس من ماله، قد تعلَّقت رغبةُ محبوبه به، فهل يجد (٤) من قلبه رغبةً في إمساك ذلك القدر وحبسه عن محبوبه؟ فهكذا زهد المحبّ الصادق في نفسه، قد خرج عنها، وسلَّمها لربّه، فهو يبذلها له دائمًا يتعرّض (٥) منه لقبولها.


= أنسب لكثرة دوران مادة الخشة في كلام المولف، ولكنّي أثبتّ ما هو أقرب إلى رسم الكلمة في الأصل.
(١) "ك، ط": "يخلص".
(٢) "ط": "من عدوّها و [اللجوء إلى] مولاها" لبياض كان -فيما يبدو- في أصل الناشر.
(٣) في "ك، ط": "يبذلها" و"يستبقي" و"يزهد" وهي في الأصل بالتاء.
(٤) "ف": "تجد"، تصحيف.
(٥) "ك": "متعرض"."ط": "بتعرض".