للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكانه الذي رجع منه إلّا بسيرٍ مستأنَفٍ يُوصله إليه. ونحن لا ننكر أنّ العبد بعد التوبة يعمل أعمالًا عظيمةً لم يكن ليعملَها قبل الذنب تُوجب له التقدّم.

قالوا: وأيضًا فلو رجع إلى حاله التي كان عليها أو إلى أرفع منها لكان بمنزلة المداوم على الطاعة أو أحسن حالًا منه، فكيف يكون هذا؟ وأين سيرُ (١) صاحب الطاعة في زمن اشتغال هذا بالمعصية؟ وكيف يلتقي رجلان: أحدُهما سَائرٌ نحوَ المشرق، والآخرُ نحوَ المغرب، فإذا رجع أحدهما إلى طريق الآخر، والآخرُ مجدٌ على سيره، فإنّه لا يزال سابقَه ما لم يعرض له فتور أو توانٍ؟ هذا مما لَا يمكن جحده ودفعه.

قالوا: وأيضًا فمرضُ القلب بالذنوب على مثال مرضِ الجسم بالأسقام، والتوبة بمنزلة شرب الدواءِ. والمريض إذا شرب الدواءَ وصحّ، فإنه لا تعود (٢) إليه قوّتُه قبل المرض؛ وإن عادت فبعدَ حين.

قالوا: وأيضًا فهذا في زمن معالجة التوبة ملبوك (٣) في نفسه، مشغول بمداواتها ومعالجتها؛ وفي زمن الذنب مشغول بشهوتها. والسالم من ذلك مشغول بربّه، قد قرُبَ منه في سيره. فكيف يلحقه هذا؟

فهذا ونحوه مما احتجّت به هذه الطائفة لقولها.


(١) "ط": "مسير".
(٢) "ف": "لا يعود". والأصل غير منقوط.
(٣) "ب": "مكبول"، تحريف. وكان في "ك" على الصواب فغيره بعضهم. وانظر ما سلف في ص (٤٧٠).