للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعده: "ولو رحمهم كانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالهم" يعني أنَّ رحمته لهم ليست ثمنًا لأعمالهم، ولا تبلغ أعمالهم رحمته، فرحمته لهم ليست (١) على قدر أعمالهم، إذ أعمالهم لا تستقلّ باقتضاءِ الرحمة، وحقوق عبوديته وشكره التي يستحقّها عليهم لم يقوموا بها. فلو عذَّبهم -والحالة هذه- لكان تعذيبًا لحقّه، وهو غيرُ ظالم لهم فيه، ولا سيّما فإنَّ أعمالهم لا توازي القليل من نِعَمه عليهم، فتبقى نِعمُه الكثيرة لا مقابل لها من شكرهم، فإذا عذَّبهم على ترك شكرهم وأداءِ حقّه الذي ينبغي له سبحانه، عذّبهم بحقّه (٢) ولم يكن ظالمًا لهم.

فإن قيل: فهم إذا فعلوا مقدورهم من شكره وعبوديته لم يكن ما عداه مما ينبغي له سبحانه مقدورًا لهم، فكيف يحسن العذاب عليه؟

قيل: الجواب من وجهين:

أحدهما: أنَّ المقدور للعبد لا يأتي به كلّه، بل لا بدَّ من فتور وإعراض وغفلة وتوانٍ، وأيضًا ففي نفس قيامه بالعبودية لا يوفّيها حقَّها الواجبَ لها من كمال المراقبة والإجلال والتعظيم والنصيحة التامَّة للَّه فيها، بحيث يبذل مقدوره كلّه في تحسينها وتكميلها ظاهرًا وباطنًا، فالتقصير لازم في حال الترك وفي حال الفعل.

ولهذا لمّا (٣) سأل الصدّيقُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعاءً يدعو به في صلاته، قال (٤)


(١) "ثمنًا لأعمالهم. . ." إلى هنا ساقط من "ك، ط".
(٢) "بحقه" ساقط من "ك، ط". والجملة: "عذَّبهم بحقه" وقعت في "ف" بعد "ترك شكرهم"، وهو خطأ من الناسخ.
(٣) "لمّا" ساقط من "ط".
(٤) "ط": "فقال".