للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما لا يطالَب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره. ونظير هذا في الشاهد (١) أنَّ الماثلَ بين يدي أحد الملوك المشاهِدَ له أشدُّ خوفًا منه من البعيد عنه، بحسب قربه منه ومنزلته عنده ومعرفته به وبحقوقه، وأنَّه يطالَب من حقوق الخدمة وآدابها (٢) بما لا يطالَب به غيرُه، فهو أحقّ بالخوف من البعيد.

ومَن تصوَّر هذا حقّ تصوُّره فَهِمَ قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي أعلمكم باللَّه وأشدكم له خشية" (٣)، وفهمَ قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره من حديث زيد بن ثابت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "إنَّ اللَّه تعالى لو عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم كانت رحمتُه لهم خيرًا من أعمالهم" (٤).

وليس المراد أنَّه (٥) لو عذبهم لتصرف في ملكه، والمتصرف في ملكه غير ظالم، كما يظنّه كثير من النَّاس؛ فإنَّ هذا لا يتضمَّن (٦) مدحًا، والحديث إنَّما سيق للمدح وبيان عِظَم حقّ اللَّه على عباده، وأنَّه لو عذَّبهم لعذّبهم بحقّه عليهم، ولم يكن تعذيبه ظلمًا لهم (٧) بغير استحقاق، فإنَّ حقَّه سبحانه عليهم أضعافُ أضعافِ ما أتوا. ولهذا قال


(١) "ط": "المشاهد"، تحريف.
(٢) نقطة الباء واضحة في الأصل، ولكن قرأها ناسخ "ف": "أدائها". وكذا في "ب، ك، ط".
(٣) تقدّم تخريجه قريبًا.
(٤) تقدم تخريجه في ص (١٦٤).
(٥) في "ف" مكان "أنّه": "به"، خلاف الأصل. وكذا في "ب، ك، ط".
(٦) "ط": "هذا يتضمن". وكذا في "ك"، واستدرك بعضهم في الحاشية.
(٧) "وبيان عظم حق اللَّه. . ." إلى هنا ساقط من "ط".