للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رُسُله (١).

فإن قيل: ليس مراده ما ذكرتم وفهمتم من كلامه، وإنَّما مراده أنَّه سبحانه إذا ابتلى عبده في الدنيا فهو لكمال محبّته له يتلذَّذ بتلك البلوى ويعدّها نعمةً، وليس مراده عذاب الآخرة (٢).

قيل: قوله عن الخواصّ: "أنَّهم جعلوا الوعيد منه وعدًا" ينفي ما ذكرتم من التأويل، فإنَّ ابتلاءَ الدنيا غيرُ الوعيد. وأيضا فإنَّه في مقام الخوف ونفيه عن الخاصَّة محتجًّا عليه بأنَّهم يرون العذاب عذبًا والوعيد وعدًا، فما لهم وللخوف؟ هذا مقصوده من سياق كلامه واحتجاجه عليه بهذا الهذيان الذي يسخر (٣) منه العقلاء. بل نحن لا ننكر أنَّ العبد إذا تمكَّن حبّ اللَّه في قلبه حتَّى ملك جميعَ أجزائه فإنَّه يتلذَّذ بالبلوى أحيانًا. وليس ذلك دائمًا ولا أكثريًّا، ولكنَّه يعرض عند (٤) هيجان الحبّ وغلبة الشوق، فيقهر شهود الألم، ثمَّ يراجع طبيعته فيذوق الألم. ولكن أين هذا مِن جعلِ الوعيد وعدًا، والعذاب عَذبًا؟

وإن أُحسِن الظنُّ بصاحب هذا الكلام ظُنَّ به أنَّه ورد عليه وارد من الحبّ يُخيِّل في نفسه أنَّ محبوبه إذا تواعده (٥) كان ذلك منه وعدًا، وإن عذَّبه كان عذابُه عنده عذبًا، لموافقته مراد محبوبه. وهذا خيالٌ فاسد


(١) "ط": "رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-".
(٢) "ب": "نعيم الآخرة".
(٣) "ف": "سخر"، خلاف الأصل.
(٤) "ف": "عن"، خلاف الأصل.
(٥) كذا في الأصل وغيره. ولم أجد "تواعده" بمعنى توعّده وتهدّده. وفي "ط": "توعده".