للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليوم أظِلُّهم في ظلِّي يومَ لا ظلِّ إلا ظلِّي" (١). فقال: "أين المتحابُّون بجلالي"، فهو حبّ بجلاله سبحانه وتعظيمه ومهابته، ليس حبًّا لمجرَّد جماله، فإنَّه سبحانه الجليل الجميل. والحبّ الناشئ عن شهود هذين الوصفين هو الحبّ النافع الموجِب لكونهم في ظلّ عرشه يوم القيامة. فشهود الجلال وحده يُوجِبُ خوفًا وخشية وانكسارًا، وشهودُ الجمال وحده يُوجِب حبًّا بانبسَاط وإدلال ورعونة. وشهود الوصفين معًا يوجب حبًّا مقرونًا (٢) بتعظيم وإجلال ومهابة، وهذا هو غاية كمال العبد. واللَّه أعلم.

وإنشاده هذه الأبيات الثلاثة في هذا المقام في غاية القبح، فإنَّ هذا المحِبِّ نَفَى (٣) خوفَه من محبوبه، وأخبر أنَّه يصدّ عن محبوبه (٤) ويُعرض عنه إظهارًا للتجلّد إمَّا على محبوبه (٥)، وذلك قبيح في حكم المحبّة، فإنَّ التذلّل للمحبوب وتملّقه واستعطافه والانكسار له أولى بالمحبّ من تجلّده وتعزّزه، كما قيل:

اخْضَعْ وذِلَّ لمن تُحِبُّ فليس في ... شَرعِ الهوى أنفٌ يُشالُ ويُعقدُ (٦)


(١) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة (٢٥٦٦) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) في الأصل: "مقرون". وهو سهو.
(٣) "ط": "ينفي".
(٤) "وأخبر أنَّه. . ." إلى هنا ساقط من "ط".
(٥) "ط": "للتجلّد أمام رقيبه"، وهو غلط، فإنّ الكلام الآتي في التجلّد على المحبوب. أما التجلّد على الرقيب فسيذكره بعد قليل.
(٦) أنشده المصنف في مدارج السالكين (١/ ٢٨١)، وروضة المحبين (٢٩٠)، والبيت في بدائع البدائه (١٧).