للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأغيار ومواصلة الخلق والاشتغال بهم، فإذا قام إلى الصلاة هرب من سوى اللَّه إليه، وأوى عنده، واطمأنَّ بذكره، وقرَّت عينُه بالمثول بين يديه ومناجاته. فلا شيء أهم إليه (١) من الصلاة، كأنَّه في سجن وضيق وغمّ حتَّى تحضر الصلاة، فيجد قلبه قد انفسح وانشرح واستراح، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لبلال: "يا بلال، أرِحْنا بالصلاة" (٢) ولم يقل: أَرِحْنا منها، كما يقول المبطلون الغافلون.

وقال بعض السلف: ليس بمستكمل الإيمان من لم يزل في همّ وغمّ حتى تحضر الصلاة، فيزول همّه وغمّه (٣)، أو كما قال. فالصلاة قرَّة عيون المحبين، وسرور أرواحهم، ولذَّة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون همّ الفراغ منها إذا دخلوا فيها، كما يحمل الفارغ البطَّال همّها حتَّى يقضيها بسرعة، فلهم فيها شأن وللنقَّارين شأن! يشكون إلى اللَّه سوءَ صنيعهم بهم (٤) إذا ائتمّوا بهم، كما يشكو الغافل المعرض تطويلَ إمامه. فسبحانه من فاضَلَ بين النفوس، وفاوتَ بينها هذا التفاوت العظيم!

وبالجملة فمن كانت (٥) قرَّة عينه في الصلاة فلا شيء أحبّ إليه وأنعم (٦) عنده منها، وبودّه (٧) أن لو قطع عمرَه بها غيرَ مشتغل بغيرها،


(١) كذا قال: "أهمّ إليه" مثل "أحب إليه".
(٢) سبق تخريجه في ص (٨١).
(٣) كذا وردت العبارة في الأصل وغيره. وأراها تدلّ على ضدّ المقصود، فلينظر.
(٤) "ط": "بها".
(٥) "ط": "كان".
(٦) "ب, ك، ط": "ولا أنعم".
(٧) "ك، ط": "ويود".