للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنَّما يسلّي نفسه إذا فارقها بأنّه سيعود إليها عن قرب. فهو دائمًا يثوب إليها, ولا يقضي منها وطرًا. فلا يزنُ العبد إيمانه ومحبّته للَّه بمثل ميزان الصلاة، فإنّها الميزان العادل، الذي وزنه غير عائل.

الموطن الرابع: عند الشدائد والأهوال. فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلّا أحبّ الأشياءِ إليه، ولا يهرب إلّا إلى محبوبه الأعظم عنده. ولهذا كانوا يفتخرون بذكرهم من يحبّونهم (١) عند الحرب واللقاء، وهو كثير في أشعارهم، كما قال (٢):

ذكرتُكِ والخطّيُّ يخطِر بيننا ... وقد نهِلَتْ منَّا المثقَّفةُ السُّمْرُ (٣)

وقال غيره:

ولقد ذكرتُكِ والرماحُ كأنَّها ... أشطانُ بئرٍ في لَبان الأدهَمِ (٤)


(١) "ب": "يحبونه".
(٢) "ب": "قال القائل".
(٣) لابن عطاء السندي. انظر: الحماسة (١/ ٦٦). وقد ذكره المصنف في مدارج السالكين (٢/ ٤٧٩)، وروضة المحبّين (٣٨٦). وفي "ط": "متي".
(٤) كذا ورد البيت هنا، وفي روضة المحبين (٣٨٦)، ومدارج السالكين (٢/ ٤٧٩)، ونسبه فيه إلى عنترة. وروايته في الديوان وشروح المعلّقات:
يدعون عنترَ والرماح كأنّها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
وقد ذكر المصنف في الروضة بيتًا آخر بعده:
فودِدتُ تقبيلَ السيوف لأنّها ... برقت كبارقِ ثغرِك المتبسّمِ
والبيت الذي ذكر قبل هذا البيت في ديوان الصبابة (٢٢١) وغيره منسوبَين إلى عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيضُ الهند تقطر من دمي
وهذا الصواب، وذكرُ بيض الهند في آخر هذا البيت هو الذي حسّن قوله =