للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان قبلها، لم تكن التوبة قد مَحتْ أثرَ الذنب ولا أفادت في الماضي شيئًا. وإن عاد إلى دون منزلته ولم يبلغها، فبلوغه تلك الدرجة إنَّما كان بالتوبة، فلو ضعف تأثير التوبة عن إعادته إلى منزلته الأولى لَضعُف عن تبليغه تلك المنزلة التي وصل إليها. وإن لم تكن التوبة ضعيفةَ التأثير عن تبليغه تلك المنزلة لم تكن ضعيفة التأثير عن إعادته إلى المنزلة الأولى.

قالوا: وأيضًا فاللَّه (١) سبحانه ربط (٢) الجزاءَ بالأعمالِ ربطَ الأسبابِ بمسبباتها، فالجزاءُ من جنس العمل. فكما رجع التائب إلى اللَّه بقلبه رجوعًا تامًّا، رجع اللَّه عليه بمنزلته وحاله. بل ما رجع العبدُ إلى اللَّه تعالى حتى رجعَ اللَّه بقلبه إليه أوَّلًا، فرجع اللَّه إليه وتاب عليه ثانيًا. فتوبةُ العبد محفوفةٌ بتوبتين من اللَّه: توبةٍ منه إذنًا وتمكينًا، فتاب بها العبد، وتاب اللَّه عليه قبولًا ورضًى. فتوبة العبد بين توبتين من اللَّه، وهذا يدلّ على عنايته سبحانه وبرّه ولطفه بعبده التائب. فكيف يقال: إنَّه لا يعيده مع هذا اللطف والبرّ (٣) إلى حاله؟

قالوا: وأيضًا فإنَّ التوبة من أجلِّ الطاعات، وأوجَبِها على المؤمنين، وأعظمها غَناءً عنهم، وهم إليها أحوج من كلِّ شيء. وهي من أحبِّ الطاعات إلى اللَّه سبحانه، فأنَّه يحب التّوابين، ويفرح بتوبة عبده إذا تابَ إليه أعظم فرح وأكمله. وإذا كانت بهذه المثابة فالآتي بها آتٍ بما هو من أفضل القربات وأجلّ الطاعات. فإذا كان قد حصل له بالمعصية انحطاطٌ ونزولُ مرتبةٍ، فبالتوبة يحصل له مزيدُ تقدمٍ وعلوُّ درجةٍ، فإن لم تكن


(١) "ف": "فإنَّ اللَّه"، خلاف الأصل. وكذا في "ك".
(٢) "ط": "ربط سبحانه الجزاء".
(٣) "ف": "اللطف الأكبر" تحريف.