للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتجّوا لقولهم أيضًا بأنَّ التوبة تثمر للعبد محبَّة من اللَّه خاصَّة لا تحصل بدون التوبة، بل التوبة شرط في حصولها. وإن حصل له محبّة أخرى بغيرها من الطاعات فالمحبّة الحاصلة له بالتوبة لا تنال بغيرها، فإنَّ اللَّه يحبّ التوّابين، ومن محبّته لهم فرحُه بتوبة أحدهم أعظمَ فرحٍ وأكملَه. فإذا أثمرت له التوبةُ هذه المحبّة، ورجع بها إلى طاعاته التي كان عليها أوَّلًا، انضمَّ أثرُها إلى أثر تلك الطاعات، فقوي الأثران، فحصل له المزيد من القرب والوسيلة.

وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربّه من أنَّه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبَه فإنَّه لا يعودُ (١) الودّ الذي كان له منه قبل الجناية. واحتجّوا في ذلك بأثر إسرائيليّ مكذوب أنَّ اللَّه سبحانه قال لداود: "يا داود أمَّا الذنب فقد غفرناه، وأمّا الود فلا يعود" (٢). وهذا كذب قطعًا، فإنَّ الودّ يعود بعد التوبة النصوح أعظمَ ممَّا كان، فإنَّه سبحانه يحب التوابين، ولو لم يعد الود لما حصلت له محبّته. وأيضًا فإنَّه يفرح بتوبة التائب، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبّه.

وتأمَّلْ سرَّ اقتران هذين الاسمين في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)} [البروج/ ١٣ - ١٤] تجِدْ فيه من الردِّ (٣) والإنكار على من قال: لا يعودُ الودّ والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هوَ من كنوز القرآن ولطائف فهمه. وفي ذلك ما يهيج القلبَ السليمَ، ويأخذ


(١) "ف": "لا يعود له الود"، خلاف الأصل.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٠٤).
(٣) في الأصل: "الرد على والإنكار"، سبق قلم.