للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمجامعه، ويجعله عاكفًا على ربِّه -الذي لا إلهَ له غيره (١)، ولا ربَّ له سواه- عكوفَ المحبّ الصادق على محبوبه، الذي لا غنى له عنه، ولا بُدَّ له منه، ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا.

واحتجّوا أيضًا بأنَّ العبدَ قد يكون بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، لأنَّ الذنبَ يُحدِث له من الخوف والخشية، والانكسار والتذلّل للَّه، والتضرّع بين يديه، والبكاءِ على خطيئته، والندم عليها، والأسف والإشفاق (٢)، ما هو من أفضل أحوال العبدِ وأنفعها له في دنياه وآخرته. ولم تكن هذه الأمور لتحصل بدون أسبابها، إذ حصول الملزوم بدون لازمه محال. واللَّه تعالى يحبّ من عبده كسرتَه، وتضرّعه، وذلّه بين يديه، واستعطافه، وسؤاله أن يعفو عنه، ويغفر له، ويتجاوز عن جرمه وخطيئته. فإذا قضى عليه بالذنب فترتَّبت عليه هذه الآثار المحبوبة له كان ذلك القضاءُ خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن. ولهذا قال بعض السلف: "لو لم تكن التوبة أحبّ الأشياء إليه لما ابتلى (٣) بالذنب أكرمَ الخلق عليه" (٤).

وقيل: إنَّ في بعض الآثار يقول اللَّه تعالى لداود: "يا داود كنتَ تدخل عليَّ دخولَ الملوكِ على الملوكِ، واليوم تدخل عليَّ دخولَ العبيد على الملوك" (٥). قالوا: وقد قال غير واحدٍ من السلف: كان داود بعد التوبة


(١) "ب، ك": "لا إله غيره". "ط": "لا إله إلَّا هو".
(٢) "ط": "الإشفاء"، تحريف.
(٣) في "ط" بياض مكان "ابتلى".
(٤) نقله شيخ الإسلام في منهاج السنة (٢/ ٤٣٢) و (٦/ ٢١٠)، وضمّنه المؤلِّف كلامه في مدارج السالكين (١/ ٣٧٣)، وشفاء العليل (٣٤١).
(٥) نقله المصنف في مدارج السالكين (١/ ٣٧٦) من قول اللَّه تعالى لآدم عليه =