للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليجعلْ (١) حديث الأحبة حاديَها وسائقَها، ونورَ معرفتهم وإرشادهم هاديَها ودليلَها، وصدقَ ودادهم وحبهم غذاءَها وشرابَها ودواءَها. ولا يوحشنَّه (٢) انفرادُه في طريق سفره، ولا يغترَّ بكثرة المنقطعين، فألمُ انقطاعه وبعاده واصلٌ إليه دونهم، وحظُّه من القرب والكرامة مختصٌّ به دونهم، فما معنى الاشتغال بهم والانقطاع معهم؟

وليعلمْ أنَّ هذه الوحشة لا تدوم، بل هي من عوارض الطريق، فسوف تبدو له الخيام، وسوف يخرج إليه المتلقون (٣) يهنئونه بالسلام والوصول إليهم. فيا قرَّةَ عينه إذ ذاك، ويا فرحته إذ يقول: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس/ ٢٦ - ٢٧].

ولا يستوحشْ ممَّا يجده من كثافة الطبع، ودرَن (٤) النفس، وبطءِ سيرها. فكلَّما أدمن السير وواظبَ عليه غدوًّا ورواحًا وسحرًا قرُبَ من المنزل (٥)، وتلطفت تلك الكثافة، وذابت تلك الخبائث والأدران، وظهرت (٦) عليه همَّة المسافرين وسيماهم، فتبدَّلت وحشتُه أُنسًا، وكثافتُه لطافة، ودرنُه طهارة.


(١) "ب، ك": "ولتجعل"، تصحيف.
(٢) "ب، ك، ط": "ولا يوحشه".
(٣) في الأصل: "الملتقون"، ولعله سهو، وكذا في "ف، ب". والمثبت من "ك، ط".
(٤) "ك": "دُؤب"، "ط": "ذوب"، تحريف.
(٥) "ك، ط": "من الدار".
(٦) "ك، ط": "فظهرت".