للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنفي الوسيلة، فنفيُ الوسيلة -وهي الفعل- لازم لنفي الغاية وهي الحكمة. ونفيُ قيام الفعل والحكمة به نفيٌ لهما في الحقيقة، إذ فعلٌ لا يقوم بفاعله وحكمةٌ لا تقوم بالحكيم شيء لا يُعقل. وذلك يستلزم إنكارَ ربوبيته وإلهيته. وهذا لازمٌ لمن نفى ذلك، لا محيدَ (١) له عنه وإن أبى التزامَه.

وأمَّا من أثبت حكمته وأفعاله على الوجه المطابق للعقل والفطرة وما جاءت به الرسل لم يلزم من قوله محذور البتة، بل قوله حقٌّ، ولازم الحق حق كائنًا ما كان.

والمقصود: أنَّ ورثة الرسل وخلفاءهم -لكمال ميراثهم لنبيهم- آمنوا بالقضاءِ والقدر والحِكَمِ والغايات المحمودة في أفعال الرب وأوامره، وقاموا مع ذلك بالأمرِ والنهي، وصدَّقوا بالوعد والوعيد. فآمنوا بالخلق الذي من تمام الإيمان به إثباتُ القدر والحكمة، وبالأمر الذي من تمام الإيمان به الإيمانُ بالوعد (٢) والوعيد وحشر الأجساد والثواب والعقاب. فصدَّقوا بالخلق والأمر، ولم ينفوهما بنفي لوازمهما -كما فعلت القدرية المجوسية والقدرية المعارضة للأمر بالقدر (٣) فكانوا (٤) أسعدَ النَّاس بالحقِّ (٥) وأقربَهم عصبةً في هذا الميراث النبوي. وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل


(١) "ك، ط": "ولا محيد".
(٢) "ن": "إثبات الوعد".
(٣) "وبالقدر" سقط من "ط"، واستدرك في القطرية.
(٤) "ك، ط": "وكانوا".
(٥) "ط": "بالخلق"، تحريف.