للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العظيم.

واعلم أنَّ الإيمان بحقيقة القدر والشرع والحكمة لا يجتمع إلا في قلوب خواصّ الخلق ولبّ العالم. وليس الشأن في الإيمان بألفاظ هذه المسمّيات وجحدِ حقائقها كما يفعل كثير من طوائف الضلال، فإنَّ القدرية تؤمن بلفظ القدر، ومنهم من يرده إلى العلم، ومنهم من يرده إلى الأمر الديني (١)، ويجعل قضاءَه وقدرَه هو نفسَ أمره ونهيه، ويفسر (٢) مشيئة اللَّه لأفعال عباده بأمره لهم بها، وهذا حقيقة إنكار القضاء والقدر. وكذلك الحكمة، فإنَّ الجبرية تؤمن بلفظها وتجحد (٣) حقيقتها، فإنَّهم يجعلونها مطابقةَ علمه تعالى لمعلومه، وإرادته لمراده. فهي عندهم وقوع الكائنات على وفق علمه وإرادته. والقدرية النفاة لا يرضون بهذا، بل يرتفعون عنه طبقةً، ويثبتون حكمةً زائدةً على ذلك، لكنَّهم ينفون قيامها بالفاعل الحكيم، ويجعلونها مخلوقًا من مخلوقاته، كما قالوا في كلامه وإرادته. فهؤلاء كلهم أقرُّوا بلفظ الحكمة، وجحدوا معناها وحقيقتها.

وكذلك الأمرُ والشرع، فإنَّ من أنكر كلام اللَّه وقال: إنَّ اللَّه لم يتكلَّم ولا يتكلَّم، ولا قال ولا يقول، ولا يحبُّ شيئًا ولا يبغض شيئًا؛ وجميعُ الكائنات محبوبةٌ له، وما لم يكن فهو مكروه له، ولا يحِبّ، ولا يحَبّ (٤)، ولا يرضى، ولا يغضب؛ ولا فرق في نفس الأمر بين


(١) "ف": "والنهي"، تحريف.
(٢) "ط": "نفس"، تحريف.
(٣) "ك، ط": "يجحدون".
(٤) "ولا يحَبّ" ساقط من "ك، ط".