للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُثقِلُه حملُه ويضرّه ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته. فليس للقلب (١) أنفعُ من قِصَر الأمل، ولا أضرُّ من التسويف وطول الأمل.

السبب التاسع: مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس. فإنَّ قوَّة الداير إلى المعاصي إنَّما تنشأ (٢) من هذه الفضلات، فإنَّها تطلب لها مصرفًا، فيضيق عليها المباحُ، فتتعدَّاه إلى الحرام، ومن أعظم الأشياء ضررًا على العبد بطالتُه وفراغه، فإنَّ النَّفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شَغَلَتْه بما يضرّه ولابدّ.

السبب العاشر، وهو الجامع لهذه الأسباب كلّها، وهو (٣): ثبات شجرة الإيمان في القلب. فصبر العبد عن المعاصي إنَّما هو بحسب قوَّة إيمانه، فكلَّما كان إيمانه أقوى كان صبره أتمّ، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر. فإنَّ من باشر قلبَه الإيمانُ بقيام اللَّه عليه، ورؤيته له، وتحريمه لما حرَّم عليه، وبغضِه له، ومقتِه لفاعله؛ وباشر قلبَه الايمانُ بالثواب والعقاب والجنَّة والنَّار = امتنع منه (٤) أن لا يعمل بموجَب هذا العلم. ومن ظنَّ أنَّه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الرَّاسخ الثابت (٥)، فقد غلط. فإذا قوي سراج الإيمان في القلب، وأضاءَت جهاته كلها به، وأشرقَ نورُه في أرجائه؛ سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداير الإيمان، وانقادت له


(١) "ط": "للعبد"، تحريف.
(٢) "ف، ب": "ينشأ".
(٣) "وهو" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ط": "من".
(٥) "ب": "الثابت الراسخ".