للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ناقض فيها في دعواه مناقضةً بيِّنةً، فإنَّه أخبرَ أنَّ هواه قد صار وقفًا عليها، لا يزول عنها ولا يتحوَّل بتقدّم ولا تأخّر؛ ثمَّ أخبرَ أنَّه قد بلغ به حبُّها وهواها إلى أن صار مرادُها من نفسه عينَ (١) مراده هو. فلمَّا أرادت إهانته بالصدّ والهجران والبعد سعى هو في إهانة نفسه بجهده موافَقةً لها في إرادتها، فصارت إهانتُه لنفسه مرادةً محبوبةً له من حيث هي مرادةٌ محبوبةٌ لها. وزعم أنَّه لو أكرم نفسَه لكان مخالفًا لمحبوبته مكرِمًا (٢) لمن أهانته. ثمَّ نقض هذا الغرض من حيث شبَّهها بأعدائه الذين هم أبغض شيءٍ إليه. ووجه هذا التشبيه أنَّه لم يحصل منها من حطه ومراده على شيء، بل الذي يحصل له منها مثلُ ما يحصل له من أعدائه من إهانتهم له وأذاه، فصار حطه منها ومن أعدائه واحدًا، فصارت شبيهةً بهم، فأين هذا من الموافقة التامَّة (٣) لها في مرادها، بحيث يهين (٤) نفسه لمحبتها في إهانته؟

ثمَّ أخبر أنَّ له منها حظًّا مرادًا، وأنَّ ذلك الحظّ الذي يريده لم يحصل له، وإنَّما حصل له منه نظير ما يحصل له من أعدائه. وهذه شكاية في الحقيقة وإخبار عن محبّة معلولة (٥) بالحظّ، وشكاية للحبيب بتفويته عليه.

ثمَّ إنَّه أخبر عن جناية أخرى، وهي أنَّه شرَّكَ بينها وبين أعدائه في حبّه


(١) "ك، ط": "غير"، تحريف.
(٢) في الأصل: "مكرم"، سهو.
(٣) "ف": "الثانية"، تحريف.
(٤) "ف": "يهنى"، تحريف.
(٥) "ط": "محبه ببخله"، تحريف.