للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مضجعه، وقلبُه قد قطع المراحل مسافرًا إلى حبيبه. فإذا أخذ مضجعه اجتمع عليه حبُّه وشوقه، فيهزه المضجعُ إلى سَكَنِه. كما قال اللَّه تعالى في حقِّ المحبين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة/ ١٦]. فلمَّا تجافت قلوبهم (١) عن المضاجع جافت الجُنوبَ عنها واستخدمتها، وأمرتها فأطاعتها. وقال القائل:

نهاري نهارُ الناس، حتَّى إذا بدا ... ليَ الليلُ هزَّتْني إليكِ المضاجعُ (٢)

ويحكى أنَّ بعض الصالحين اجتاز بمسجد، فرأى الشيطانَ واقفًا ببابه لا يستطيع دخوله. فنظر فهذا فيه رجل نائم، وآخر قائم يصلي. فقال له: أيمنعك هذا المصلي من دخوله؟ فقال: كلا، إنَّما يمنعني ذلك الأسد الرابض, ولولا مكانه لدخلتُ!

وبالجملة فقلبُ المحبّ دائمًا في سفر لا ينقضي نحو محبوبه، كلَّما قطع مرحلة (٣) ومنزلة تبدَّتْ له أخرى، كما قيل:

إذَا قطعنَ عَلَمًا يدا عَلَمْ (٤)

فهو مسافر بين أهله (٥)، وظاعن وهو في داره، وغريب


(١) "ط": "جنوبهم"، خطأ.
(٢) البيت لابن الدمينة، وقد دخل مع بيتين آخرين في عينية قيس بن ذريح. قاله صاحب الأغاني (٩/ ٢١٠)، وانظر: ديوان ابن الدمينة (١٧)، وقيس ولبنى (١٠٧).
(٣) "ك، ط": "مرحلة له".
(٤) "ب": "قطعنا"، "ط": "قطعت"، تحريف. والبيت من أرجوزة لجرير في ديوانه (٥١٢). "قطعنَ": يعني النوق.
(٥) "ب": "وهو بين أهله".