للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَذَابِ} [غافر/ ٤٦]. وهذا تنبيه على أنَّ فرعون نفسه في الأشدّ من ذلك؛ لأنَّهم إنَّما دخلوا أشدَّ العذاب تبعًا له، فإنَّه هو الذي استخفّهم فأطاعوه، وغرَّهم فاتَّبعوه. ولهذا يكون يوم القيامة إمامهم وفرَطهم في هذا الوِرد. قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود/ ٩٨].

والمقصود: أنَّهم إنَّما (١) استحقُّوا أشدَّ العذاب لتغلُّظ كفرهم (٢)، وصدّهم عن سبيل اللَّه وعقوبتهم من آمن باللَّه. فليس عذاب الرؤساء في النار كعذاب أتباعهم. ولهذا كان في كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهرقل: "فإن تولّيتَ فإنَّ عليك إثمَ الأرِيسِيِّين" (٣). والصحيح في اللفظة (٤) أنَّهم الأتباع. ولهذا كان عدو اللَّه إبليس أشدَّ أهل النار عذابًا، وهو أوَّل من يُكسى حُلَّة من النَّار؛ لأنَّه إمام كلّ كفر وشرك وشرّ. فما عصي اللَّه إلا على يديه وبسببه، ثمَّ الأمثل فالأمثل من نوَّابه في الأرض ودعاته.

ولا ريب أنَّ الكفر يتفاوت، فكفر أغلظ من كفر. كما أنَّ الإيمان يتفاوت فإيمان أفضل من إيمان. فكما أنَّ المؤمنين ليسوا في درجة واحدة بل هم درجات عند اللَّه، فكذلك الكفار ليسوا في طبقة واحدة ودرك واحد، بل النار دركات كما أنَّ الجنَّة درجات. ولا يظلم اللَّه من خلقه أحدًا. وهو الغني الحميد.


(١) "إنما" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ب، ط": "لغلظ كفرهم".
(٣) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. أخرجه البخاري في بدء الوحي (٧) وغيره. ومسلم في الجهاد والسير (١٧٧٣).
(٤) يعني في تفسيرها. وفي "ط": "اللفظ".