للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويستحيل أن يكون معه إله آخر، فإنَّ الإله على الحقيقة هو الغنيّ الصمَد الكامل في أسمائه وصفاته، الذي حاجةُ كل أحدٍ إليه، ولا حاجة به إلى أحد؛ وقيامُ كلِّ شيءٍ به، وليس قيامُه بغيره. ومن المحال أن يحصل في الوجود اثنان كذلك، ولو كان في الوجود إلهان لفسد نظامه أعظمَ فساد واختلّ أعظمَ اختلال، كما يستحيل أن يكون له فاعلان متساويان كل منهما مستقل بالفعل، فإنَّ استقلالَهما ينافي استقلالَهما، واستقلالَ أحدهما يمنع ربوبّيةَ الآخر، فتوحيد الربوبيّة أعظم دليل على توحيد الإلهية.

ولذلك (١) وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره، لصحّة دلالته وظهورها، وقبول العقول والفطَر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبيّة. ولذلك (٢) كان عُبّادُ الأصنام يُقِرون به، وينكرون توحيد الإلهية، ويقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص/ ٥] مع اعترافهم بأنّ اللَّه وحده هو الخالق لهم وللسماوات والأرض وما بينهما، وأنّه المتفرّد (٣) بملك ذلك كله. فأرسل اللَّه تعالى الرسلَ تذكِّرهم (٤) بما في فطَرهم الإقرارُ به من توحيده وحده لا شريك له، وأنَّهم لو رجعوا إلى فِطَرهم وعقولهم لدلَّتهم على امتناع إليما آخر معه واستحالته وبطلانه.

فمشهد الألوهية هو مشهد الحنفاءِ، وهو مشهد جامع للأسماء والصفات، وحظُّ العباد منه بحسب حظّهم من معرفة الأسماء


(١) "ك": "كذلك"، خطأ.
(٢) "ك، ط": "وكذلك".
(٣) "ط": "المنفرد"، والأصل غير منقوط.
(٤) "ك، ط": "فأرسل اللَّه تعالى يذكر بما".