للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يُتصوَّر في حقه الحكمة. وهؤلاء يقولون: ليس في أفعاله وأحكامه لام تعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح فإنَّما اقترنت بها اقترانًا عاديًّا، لا أنَّ هذا كان لأجل هذا؛ ولا شاءَ (١) السببَ لأجل المسبَّب، بل لا سببَ عندهم ولا مسببَ البتة، إنْ هو إلا محض المشيئة وصِرف الإرادة التي ترجِّح مِثلًا على مِثلٍ، بلا مرجِّح (٢) أصلًا. وليس عندهم في الأجسام طبائع وقوًى تكون أسبابًا لحركاتها، ولا في العين قوَّةٌ امتازت بها على الرِّجْل تبصر بها (٣)، ولا في القلب قوَّة يعقل بها امتاز بها على الظهر (٤)؛ بل خصَّ سبحانه أحد الجسمَين بالرؤية والعقل والذوق تخصيصًا لمثل على مثل، بلا سبب أصلًا ولا حكمة.

فهؤلاء لم يُثبِتوا له كمال الحمد، كما لم يُثبِت له أولئك كمالَ الملك، وكلا القولين منكَر عند السلف وجمهور الأُمَّة. ولهذا كان منكرو الأسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية، كما قاله القاضيان أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى بن الفرَّاء وأتباعهما. وقد نصَّ أحمدُ على أنَّه غريزة، وكذلك الحارث المحاسِبي وغيرهما (٥). وأولئك (٦) لا يثبتون غريزةً ولا قوَّة ولا طبيعةً ولا سببًا،


(١) "ك، ط": "نشأ"، تحريف.
(٢) "ك، ط": "بل لا مرجح".
(٣) "ط": "يبصر بها". وفي "ف": "بصيرتها" كذا، وهو تصحيف.
(٤) "ك، ط": "عن الظهر".
(٥) انظر: ذم الهوى (٥). والعقل غريزة، أو نوع من العلوم الضرورية، كلا القولين حكاهما شيخ الإسلام وصوّبهما في الاستقامة (٢/ ١٦١)، ومجموع الفتاوى (٩/ ٢٨٧).
(٦) "ط": "فأولئك"، خطأ.