للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمها. والمقصود أنَّ هؤلاء إذا قالوا: إنَّه تعالى لا يفعل لحكمةٍ امتنع عندهم أن يكون الإحكام دليلًا على العلم.

وأيضًا فعلى قولهم يمتنع أن يُحمَد على ما فعله؛ لأنَّ (١) ما حصل للعباد من نفع، فهو سبحانه لم يقصد بما خلقه نفعهم، ولا خلقه لنفعهم ومصالحهم، بل إنَّما أرادَ مجرد وجوده، لا لأجل كذا، ولا لنفع أحد ولا لضره؛ فكيف يتصوَّر في حق من يكون فعله كذلك (٢) حَمْدٌ؟ فلا يُحمَد على فعل عدلٍ، ولا على ترك ظلم؛ لأنَّ الظلم عندهم هو الممتنع الَّذي لا يدخل في المقدور، وذلك لا يُمدَح أحدٌ على تركه. وكل ما أمكن وجودُه فهو عندهم عدل، فالظلم (٣) مستحيل عندهم، إذ هو عبارة عن الممتنع المستحيل لذاته الَّذي لا يدخل تحت المقدور، ولا يتصوَّر فيه ترك اختياري، فلا يتعلَّق به حمدٌ. وإخباره تعالى عن نفسه بقيامه بالقسط حقيقتُه عندهم مجرَّد كونِه فاعلًا لا أنَّ هناكَ شيئًا هو قسط في نفسه يمكن وجودُ ضدِّه.

وكذلك قولُه: {وَمَا رَبُّك بِظَلَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} [فصلت/ ٤٦] نفيٌ عندهم لما هو مستحيل في نفسه لا حقيقه له، كجعل الجسم في مكانين في آنٍ واحدٍ، وجعله موجودًا معدومًا في آنٍ واحدٍ، فهذا ونحوه عندهم هو الظلم الَّذي تنزَّه (٤) عنه. وكذلك قوله: "يا عِبَادِي، إنِّي حرَّمتُ الظلمَ


(١) "ك، ط": "لأمر"، تحريف.
(٢) "ك": "ذلك حمدًا"، "ط": "ذلك حمد".
(٣) "ف": "والظلم"، قراءة محتملة.
(٤) "ن، ك": "ينزه".