للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينهم مبناه على الفرق الأمري الشرعي (١) بين محبوب الربّ ومأموره وبين مسخوطه ومنهيّه، فمن لم يشهد هذا الفرق ولم يكن من أهله لم يكن من أتباع الرسل. والكمال (٢) شهود الجمع في هذا الفرق، فيشهد انفراد اللَّه وحده بالخلق والأمر، ويشهد الفرق بين ما يحبه فيؤثره ويقدّمه، وبين ما يبغضه فيتركه ويتجنّبه؛ فيصير له هذا الفرق في محل فرقه الطبعي الحسّي بين ما يلائمه وينافره. ومن المعلوم أنَّ صاحب الجمع لا بدّ أن يفرّق بطبعه وحسّه، وإن ادَّعى عدمَ التفريق طبعًا فإنَّه كاذب مفتَرٍ. وإذا كان لا بدَّ من الفرق فالفرق الشرعي الإيماني الذي بعث اللَّه به رسله أولى به من الفرق الطبعي الحيواني الذي يشاركه (٣) فيه سائر البهائم.

وأبطَلُ من هذا الجمعِ الجمعُ في الوجود. وهو أن يرى الوجود كلَّه واحدًا لا فرق فيه أصلًا, وإنَّما التفريق بالعادة والوهم فقط، كما يقوله زنادقة القائلين بوحدة الوجود الذين لا يفرّقون بين الخالق والمخلوق، بل يجعلون وجود أحدهما وجود الآخر، بل ليس عندهم أحدهما والآخر (٤)، إذ ما ثَمَّ غيرٌ. فهذا جمع في الوجود، وجمع أولئك جمع في الشهود.

وهدى (٥) اللَّه الذين آمنوا لِمَا اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه، فكانوا أصحاب الجمع في الفرق، ففرَّقوا بين ما فرَّق اللَّه بينه بإذنه،


(١) "ب": "الشرعي الأمري".
(٢) "ك، ط": "فإن الكمال".
(٣) "ك، ط": "شاركه".
(٤) "ب، ك": "فرق بين أحدهما والآخر"، وكذا في "ط".
(٥) كذا في الأصل وغيره. وأراد المصنّف الاقتباس من الآية. وغيّره الناشر في "ط": "فهدى"، وأثبت الآية هنا وفيما بعد.