للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجمعوا الأشياءَ كلَّها في خلقه وأمره، وجمعوا إرادتهم (١) ومحبَّتهم وشهودهم فيه، فكانوا أصحاب جمعٍ في فرق، وفرقٍ في جمع. فهؤلاء خواصّ الخلق، فنسأل اللَّه العظيم من فضله وكرمه (٢). فهؤلاء هم الذين لم يبق لهم مع الحقِّ إرادة، بل صارت إراداتهم (٣) تابعةً لإرادته، فحصل الاتحاد في المراد فقط، لا في الإرادة ولا في المريد.

فأصحاب الوحدة ظنّوا الاتحاد في المريد، وأصحاب الحلول توهّموا الاتحاد في الإرادة. وهدى اللَّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فعلموا أنَّ المراد واحد. فالاتّحاد وقع في المراد فقط، لا في الإرادة ولا في المريد.

وقوله: "فيعتقدون أنَّ ما دونه قاطع عنه". إنَّما يكون ما دونه قاطعًا عنه إذا وقف العبدُ معه، وتعلَّقت إرادتُه به، وانصرف طلبه إليه. وأمَّا إذا جعله وسيلةً إلى اللَّه وطريقًا يصل بها إليه لم يكن قاطعًا ولا حجابًا، بل يكون حاجبًا موصلًا إليه!

وقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام/ ١٩] المراد بالآية شهادته سبحانه لرسوله بتصديقه على رسالته، فإنَّ المشركين قالوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من يشهد لك على ما تقول؟ فأنزل اللَّه تعالى آيات شهادته له وشهادة ملائكته وشهادة علماءِ أهل الكتاب له (٤)، فقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ


(١) "ك، ط": "إرادتهم".
(٢) زاد في "ط": "أن يجعلنا منهم".
(٣) "ك، ط": "إرادتهم".
(٤) "ط": "به".