للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّهُ غنًى بظل زائل، وعاريَّةٍ ترجع عن قريب إلى أربابها، فإذا الفقر بأجمعه بعد ذهابها، وكأنَّ الغنى بها كان حُلْمًا فانقضى. ولا همَّة أضعفُ من همَّةِ من رضي بهذا الغنى الذي هو ظلٌّ زائلٌ.

وهذا غنى أرباب الدنيا الذي فيه يتنافسون، وإيَّاه يطلبون، وحوله يحومون، ولا أحبَّ إلى الشيطان وأبعدَ من (١) الرحمن من قلبٍ ملآنَ بحبِّ هذا الغنى وبالخوف (٢) من فقده.

قال بعض السلف: إذا اجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشيء كفرحهم بثلاثة أشياء: مؤمن قتل مؤمنًا، ورجل يموت على الكفر، وقلب فيه خوف الفقر (٣).

وهذا الغنى محفوفٌ بفقرَين: فقرٍ قبله، وفقرٍ بعده، وهو كالغفوة بينهما، فحقيق بمن نصح نفسه أن لا يغترَّ به ولا يجعله نهايةَ مطلبه، بل إذا حصلَ له جعله سببًا لغناهُ الأكبر ووسيلةً إليه، ويجعله خادمًا من خدمه لا مخدومًا له، وتكون نفسه أعزَّ عليه من (٤) أن يعبِّدها لغير مولاه الحق، أو يجعلها خادمةً لغيره.


(١) "ط": "عن".
(٢) "ك، ط": "والخوف".
(٣) من كلام حمدون القصَّار النيسابوري شيخ الملامتية (٢٧١ هـ). انظر الرسالة القشيرية (٢٧٢).
(٤) "من" ساقطة من "ك".