للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المالك له. الرابع: ذلّ العاجز عن جميع مصالحه وحاجاته بين يدي القادر عليها، التي هي في يده وبأمره. وتحت هذا قسمان: أحدهما: ذلّه (١) في أن يجلب له ما ينفعه. والثاني: ذلّه (٢) في أن يدفع عنه ما يضرّه على الدوام. ويدخل في هذا ذلّ المصائب كالفقر والمرض وأنواع البلاء والمحن. فهذه خمسة أنواع من الذل إذا وفَّاها العبد حقَّها، وشهدها كما ينبغي، وعرفَ ما يراد به منه، وقام بين يدي ربّه مستصحبًا لها شاهدًا لذلِّه من كل وجه ولعز (٣) ربِّه وعظمته وجلاله، كانت قليلُ أعماله قائمةً (٤) مقام الكثير من أعمال غيره.

قالوا: وهذه أسرارٌ لا تدرَك بمجرّد الكلام، فمن لا نصيب له منها فلا يضرّه أن يخلّي المطيَّ وحاديها، ويعطي القوسَ باريها.

فللكثافة أقوامٌ لها خُلِقوا ... وللمحبَّةِ أكبادٌ وأجفانُ

قالوا: وأيضًا فقد ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "لَلَّهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من أحدكم أضلَّ راحلتَه" (٥).

قالوا: وهذا أعظم ما يكون من الفرح وأكمله، فإنَّ صاحب هذه الراحلة كان عليها مادة حياته من الطعام والشراب، وهي مركبه الذي يقطع به مسافة سفره، فلو عَدِمَه لانقطع في طريقه، فكيف إذا عدم مع


(١) "ط": "ذلّ له".
(٢) "ط": "ذلّ له".
(٣) "ب، ك، ط": "لعزّة".
(٤) "ط": "كان. . قائمًا".
(٥) أخرجه البخاري في الدعوات (٦٣٠٩)، ومسلم في التوبة (٢٧٤٧) من حديث أنس رضي اللَّه عنه وغيره.