للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكمال النصيحة للأمة. ومع هذه المقامات الثلاث -أعني كمالَ بيان المتكلم وفصاحته وحسن تعبيره عن المعاني، وكمالَ معرفته وعلمه بما يعبّر عنه، وكمالَ نصحه وإرادته لهداية الخلائق- يستحيل عليه أن يخاطبهم بشيءٍ، وهو لا يريد منهم ما يدلّ عليه خطابه، بل يريد منه (١) أمرًا بعيدًا عن ذلك الخطاب، إنَّما يدلُّ عليه كدلالة الألغاز والأحاجي مع قدرته على التعبير عن ذلك المعنى باحسن (٢) عبارة وأوجزها. فكيف يليق به أن يعدل عن مقتضى البيان الرافع للإشكالِ المزيل للإجمال، ويوقع الأمَّة في أودية التأويلات وشعَاب الاحتمالات (٣) والتجويزات؟ سبحانك هذا بهتانٌ عظيم! وهل قدَرَ الرسول حقَّ قدره أو مرسلَه حقَّ قدره مَن نسَب كلامه سبحانه أو كلام رسوله إلى مثل ذلك؟ ففصاحة الرسول وبيانه، وعلمه ومعرفته، ونصحه وشفقته = يحيل عليه (٤) أن يكون مراده من كلامه ما يحمله عليه المحرّفون للكلم عن مواضعه المتأوّلون له على (٥) غير تأويله، وأن يكون كلامه من جنس الألغاز والأحاجي. والحمد للَّه ربِّ العالمين.

فإنْ قلتَ: فهل من مسلك غير هذا الوادي الذي ذممته فيُسلَك (٦) فيه، أو من طريق يستقيم عليه السالك؟ قلتُ: نعم، بحمد اللَّه. الطريق واضحة المنار، بيّنة الأعلام، مضيئة للسالكين. وأوَّلها أن تحذف


(١) "ف": "منهم"، سهو.
(٢) "ف": "بأيسر"، تحريف.
(٣) "ف": "الإجمالات".
(٤) "ف": "عليهم"، سهو. "ب": "تحيل عليه".
(٥) "على" ساقط من "ك، ط".
(٦) "ك، ط": "فنسلك".