للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين النفوس إلى هذا الحد والغاية! فهذا عباداته عادات، والأوَّل عاداته عبادات!

فإذا جاءَ فرضُ الظهر بادرَ إليه كذلك (١) مكمِّلًا له، ناصحًا فيه لمعبوده كنصح المحبّ الصادق المحبّة لمحبوبه الذي قد طلب منه أن يعمل له شيئًا ما، فهو لا يُبقي مجهودًا، بل يبذل مقدوره كلَّه في تحسينه وتزيينه (٢) وإصلاحه وإكماله، ليقع موقعًا من محبوبه، فينال به رضاه عنه وقربه منه. أفلا يستحيي العبد من ربِّه ومولاه ومعبوده أن لا يكون في عمله هكذا، وهو يرى المحبّين في أشغال محبوبيهم من الخلقِ كيف يجتهدون في إيقاعها على أحسن وجه وأكمله، بل هو يجد من نفسه ذلك مع من يحبّه من الخلق، فلا أقلَّ من أن يكون مع ربِّه بهذه المنزلة. ومن أنصف نفسه وعرف أعمالَه استحيا من اللَّه أن يواجهه بعمله أو يرضاه لربه، وهو يعلم من نفسه أنَّه لو عمل لمحبوب له من النَّاس لبذل فيه نُصْحَه، ولم يَدَعْ من حسنه شيئًا إلا فعَلَه.

وبالجملةِ، فهذا حال هذا العبد مع ربِّه في جميع أعماله، فهو يعلم أنَّه لا يوفي هذا المقام حقَّه، فهو أبدًا يستغفر اللَّه عقيب كلّ عمل. وكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سلَّم من الصلاة استغفر ثلاثًا (٣)، وقال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)} [الذاريات/ ١٨]. قال الحسن: مدّوا الصلاة إلى السحر، ثمَّ


(١) "كذلك" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ب": "ترتيبه"، تصحيف، فإنه ضبط في الأصل بالنون.
(٣) "ط": "استغفر اللَّه. . . "، وقد أخرجه مسلم في كتاب المساجد (٥٩١) من حديث ثوبان رضي اللَّه عنه.