للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخلقك منه، فاجعل (١) نهايةَ حبّك وإرادتك وتألهك (٢) إليه لتصحّ لك عبوديته باسمه الأول والآخر. وأكثر الخلق تعبّدوا له باسمه "الأول"، وإنّما الشأن في التعبد له باسمه "الآخر"، فهذه عبودية الرسل وأتباعهم، فهو ربّ العالمين وإله المرسلين سبحانه وبحمده.

وأما عبوديته باسمه "الظاهر" كما (٣) فسّره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" (٤). فإذا تحقق العبدُ علوَّه المطلق على كل شيءٍ بذاته، وأنّه ليس شيءٌ فوقه (٥) البتة، وأنّه قاهر فوق عباده، يدبّر الأمر من السماءِ إلى الأرض ثم يعرج إليه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر/ ١٠] صار لقلبه أَمَمًا يقصده، وربًّا يعبده، وإلهًا يتوجّه إليه؛ بخلاف من لا يدري أين ربه، فإنَّه ضائع مشتَّت القلب، ليس لقلبه قبلةٌ يتوجه نحوها، ولا معبود يتوجه إليه قصده.

وصاحب هذه الحال إذا سلك وتأله وتعبد طلب قلبُه إلهًا يسكن إليه ويتوجه إليه، وقد اعتقد أنَّه ليس فوق العرش شيء إلا العدم، وأنَّه ليس فوق العالم إله يُعبَد ويُصلَّى له ويُسْجَد، وأنَّه ليس على العرش مَن يصعد إليه الكلمُ الطيب ولا يُرفع إليه العملُ الصالحُ. جال قلبُه في الوجود


(١) "ك، ط": "فاجعله"، وهو خطأ.
(٢) قوله "وعبوديتك" إلى هنا ساقط في "ك" "لانتقال النظر.
(٣) "ك، ط": "فكما".
(٤) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء (٢٧١٣).
(٥) "ك، ط": "ليس فوقه شيء".