للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهذه المعرفة شهودًا وذوقًا، وأعطاها حقَّها من العبودية، فهو الفقيرُ حقًّا. ومدار الفقر الصحيح على هذه الكلمة، فمن رُزِقَ فهمَها (١) فهِمَ سرَّ الفقر المحمدي. فهو سبحانه الذي ينجي من قضائه بقضائه، وهو الذي يعيذ من نفسه (٢) بنفسه، وهو الذي يدفع ما منه بما منه. فالأمرُ كلّه له، والحكم كلّه له، والخلق كلّه له (٣). وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئتُه، وما لم يشأ لم يكن أن يجلبه إلا مشيئتُه. فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يهدي لأحسن الأعمال والأخلاق إلا هو، ولا يصرف سيئها إلا هو. {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس/ ١٠٧].

والتحقُّق (٤) بمعرفة هذا يوجب صحةَ الاضطرار وكمالَ الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أعماله وأحواله، والاستغناء بها، والخروج عن رِبقة (٥) العبودية إلى دعوى ما ليس له. وكيف يدَّعي مع اللَّه حالًا أو ملكةً أو مقامًا مَن قلبُه وإراداتُه (٦) وحركاتُه الظاهرةُ والباطنةُ بيد ربِّه ومليكه، لا يملك هو منها شيئًا، وإنَّما هي بيد مقلب القلوب ومصرِّفها كيف شاء (٧)، فالإيمانُ بهذا والتحقق به نظام التوحيد،


(١) "ك": "فمن فهم سرّها". "ط": " .. سر هذا".
(٢) "ك، ط": "يعيذ بنفسه من نفسه".
(٣) وقعت هذه الجملة في "ك، ط" قبل "والأمر كله له".
(٤) "ن": "التحقيق"، خطأ.
(٥) "ط": "رفقة"، تحريف.
(٦) "ك، ط": "وإرادته".
(٧) "ك، ط": "يشاء".