للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد بالغَ بعضهم في ذلك حتى قال: القدرُ عذر لجميع العصاة، وإنَّما مثلنا في ذلك كما قيل:

إذا مرِضنا أتيناكم نعودُكُمُ ... وتُذنبون فنأتيكم فنعتذرُ (١)

وبلغ بعضَ هؤلاء أنَّ عليًّا مرَّ بقتلى النهروان فقال: "بؤسًا لكم، لقد ضرَّكم من غرَّكم". فقيل: من غرَّهم؟ فقال: "الشيطان، والنَّفس الأمَّارة بالسوء، والأماني". فقال هذا القائل: كان علي قدريًّا، وإلا فاللَّهُ غرَّهم، وفعل بهم ما فعل، وأوردَهم تلك الموارد.

واجتمع جماعة من هؤلاء يومًا، فتذاكروا القدر، فجرى ذكرُ الهدهد وقولِهِ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النمل/ ٢٤] (٢)، فقال: كان الهدهد قدريًّا، أضاف العملَ إليهم والتزيينَ إلى الشيطان، وجميعُ ذلك فعلُ اللَّه (٣).

وسئل بعض هؤلاء عن قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/ ٧٥]: أيمنعه، ثمَّ يسأله ما منعَه؟ فقال (٤): نعم، قضَى عليه في السرِّ ما منعه منه (٥) في العلانية، ولعَنه عليه! قال له: فما معنى قوله:


(١) أنشده المؤلف في المدارج (٢/ ٣٩٦)، وهو من قصيدة مشهورة للمؤمَّل بن أمَيل المحاربي من مخضرمي شعراء الدولتين، توفي نحو ١٩٠ هـ. معجم المرزباني (٢٩٨)، معجم الأدباء (٢٧٣٣).
(٢) في الأصل و"ف": {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)} وهو جزء من الآية (٤٣) من سورة الأنعام، ولكن المقصود هنا آية النمل كما أثبتنا من "ك، ط".
(٣) "ف": "قول اللَّه"، غلط من الناسخ.
(٤) "ط": "قال".
(٥) "منه" ساقط من "ك، ط".