للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشاء اللَّه أن يملأ بحمده.

وذاك يحتمل أمرين: أحدهما أن يملأ ما يخلقه اللَّه بعد السماوات والأرض، والمعنى: لك الحمد (١) ملء ما خلقتَه وملء ما تخلقه بعدَ ذلك. الثاني: أن يكون المعنى: ملء ما شئتَ من شيء (٢) يملؤه حمدك، أي يقدَّر مملوءًا بحمدك، وإن لم يكن موجودًا.

لكن قد (٣) يقال: المعنى الأوَّل أقوى، لأنَّ قوله: "ما شئتَ من شيءٍ بعد" يقتضي أنَّه شيء يشاؤه، وما شاءَ كان، فالمشيئة (٤) متعلقة بعينه لا بمجرد ملء الحمد له، فتأملْه. لكنَّه إذا شاءَ كونَه فله الحمد ملؤه، فالمشيئة راجعة إلى المملوء بالحمد، فلا بدَّ أن يكون شيئًا موجودًا يملؤه حمدُه.

وأيضًا فإنَّ قوله: "من شيء بعد" يقتضي أنَّه شيء يشاؤه سبحانه بعد هذه المخلوقات، كما يخلقه بعد ذلك من مخلوقاته من القيامة وما بعدها. ولو أريد تقديرُ خلقه لقيل: "وملء ما شئت من شيء مع ذلك"، لأنَّ المقدَّر يكون مع المحقَّق (٥).

وأيضًا. فإنَّه لم يقل: "ملء ما شئت أن يملأه الحمد". بل قال: "ما


(١) "ك، ط": "أنَّ الحمد" تحريف.
(٢) "ك، ط": "شيء بعد".
(٣) "ك، ط": "ولكن يقال". "ف": "يمكن قد" تحريف.
(٤) "ك، ط": "والمشيئة".
(٥) وردت هنا في الأصل عبارة ضرب عليها، أثبتها للفائدة: "هذا تقرير شيخنا. قلت: وفيه نظر، إذ قوله: "وملء ما شئت من شيء بعد" يحتمل بعدية الزمان، ويحتمل بعدية المكان المغايرة، أي ما شئت غير ذلك. والبعدية مستعملة فيهما".