للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فلولا ذلك لم تكن هذه النشأة الإنسانية إنسانيَّةً، بل كانت ملكيةً، فإنَّ اللَّه سبحانه خلق خلقَه أطوارًا فخلق الملائكة عقولًا لا شهوات لها ولا طبيعة تتقاضى منها خلافَ ما يراد منها (١)، من مادة نورية لا تقتضي شيئًا من الآثار والطبائع المذمومة. وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها. وخلق الثقلين -الجن والإنس- وركَّب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة المقتضية (٢) لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها. وهؤلاءِ هم أهل الامتحان والابتلاء، وهم (٣) المعرضون للثواب والعقاب. ولو شاءَ سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة (٤) وخلق واحد، ولم يُفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية.

ولو كان الخلق كله طبيعةً واحدةً ونمطًا واحدًا لوجد الملحد مقالًا وقال: هذا مقتضى الطبيعة، ولو كان فاعلًا بالاختيار لتنوعت أفعالُه ومفعولاتُه، ولفَعَل الشيءَ وضدَّه، والشيء وخلافه. وكذلك لولا شهودُ هذه الحوادث المشهودة لوجد الملحد أيضًا مقالًا وقال: لو كان لهذا العالم خالق مختار (٥) لوجدت فيه الحوادثُ على حسب إرادته واختياره، كما رُوِي عن (٦) الحسن أو غيره قال: "كان أصحاب محمد


(١) سقط "منها" من "ط".
(٢) "المقتضية" ساقط من "ط"، ومستدرك في حاشية "ك".
(٣) "وهم" ساقط من "ك".
(٤) "واحدة" ساقط من "ك، ط".
(٥) في الأصل: "خالقًا مختارًا"، وكذا في "ف، ك، ط". ولعله سهو، والمثبت من "ن".
(٦) "عن" ساقط من "ك، ط".