للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيسى ابن مريم صلى اللَّه على نبينا وعليه. الرابع: خلق سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى.

وكلُّ هذا ليدلَّ عباده على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، وأنَّ الأمرَ ليس كما يظنه أعداؤه الجاحدون له الكافرون به من أن ذلك أمرٌ طبيعي لم يزل هكذا ولا يزال، وأنَّه ليس للنوع أبٌ ولا أمٌّ، وأنَّه ليس إلا أرحامٌ تدفَع، وأرضٌ تبلع، وطبيعةٌ تفعل ما يُرى ويشاهَد. ولم يعلم هؤلاء الجهَّال الضلَّال أنَّ الطبيعة قوَّة وصفة فقيرة إلى محلها، محتاجة إلى حامل لها، وأنَّها من أدل الدلائل على وجود من (١) طبَعها، وخلَقَها، وأودعها الأجسامَ، وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة. فالطبيعةُ مخلوقٌ من مخلوقاته، ومملوكٌ من مماليكه وعبيده، مسخَّرةٌ لأمره، منقادةٌ لمشيئته. ودلائلُ الصنعة، وأماراتُ الخلق والحدوث، وشواهدُ الفقر والحاجة شاهدٌ (٢) عليها بأنّها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق، ولا تفعل، ولا تتصرّف في ذاتها ونفسها، فضلًا عن إسناد الكائنات إليها.

والمقصود أن تنويع المخلوقات واختلافها من لوازم الحكمة والربوبيّة والملك، وهو أيضًا من موجبات الحمد، فله الحمد على ذلك كلُّه أكمل حمد وأتمّه.

وأيضًا (٣) فإنَّ مخلوقاته هي موجَباتُ أسمائه وصفاته، فلكلِّ اسمٍ وصفةٍ أثرٌ لا بُدَّ من ظهوره فيه (٤) واقتضائه له، فيمتنع تعطيلُ


(١) "ط": "وجود أمره"!.
(٢) كذا في الأصل وغيره. وفي ط: "شاهدة".
(٣) "ط": "وأتمه أيضًا"، فاختل السياق.
(٤) "فيه" سقط من "ف".