للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالملك والقدرة والقوَّة والعزَّة كلها للَّه الواحد القهَّار، ومن سواه مربوب مقهور، له ضد ومناوٍ (١) ومشارك. فخلقَ الرياحَ، وسلَّطَ بعضها على بعض تُصادمها، وتكسِر سَورتَها، وتذهب بها. وخلقَ الماء، وسلَطَ عليه الرياحَ تصرّفه وتكسره. وخلق النَّار، وسلَّطَ عليها الماءَ يكسرها ويطفئها. وخلقَ الحديد، وسلَّط عليه النار تذيبه وتكسر قوته. وخلق الحجارة، وسلَّط عليه الحديد يكسرها ويفتَتها. وخلق آدم وذريته، وسلَّطَ عليهم إبليس وذريته. وخلَق إبليس وذريته، وسلَّطَ عليهم (٢) الملائكة يشرّدونهم كلَّ مشرَّد ويطرّدونهم كلَّ مطرَّد. وخلق الحرَّ والبرد والشتاء والصيف، وسلَّطَ كلًّا منها على الآخر يُذهِبه ويقهره. وخلقَ الليل والنهار، وقهرَ كلًّا منهما بالآخر. وكذلك الحيوان على اختلاف ضروبه من حيوان البر والبحر، لكل منه مضاد ومغالب.

فاستبان للعقول والفطَر أنَّ القاهر الغالب لذلك كلِّه واحدٌ، وأنَّه (٣) من تمام ملكه إيجادُ العالم على هذا الوجه، وربطُ بعضه ببعض (٤)، وإحواجُ بعضه إلى بعض، وقهرُ بعضه ببعض، وابتلاءُ بعضه ببعض (٥)، وامتحانُ (٦) خيره بشرّه وجعلُ شره لغيره الفداءَ. ولهذا يُدفع إلى كلِّ مؤمن يوم القيامة كافرٌ فيقال له: "هذا فداؤكَ من النار" (٧). وهكذا


(١) كذا ورد في الأصل بحذف الهمزة، وهو جائز. وفي "ب، ك، ط": "مناف".
(٢) "ب": "وسلَّط على إبليس وذريته".
(٣) "ب، ط": "وأن".
(٤) "ب، ط": "على بعض".
(٥) "وإحواج. . . " إلى هنا ساقط من "ب".
(٦) "ط": "وامتزاج"، تحريف.
(٧) أخرجه ابن ماجه (٤٢٩٢) عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه بإسناد ضعيف. وله =