للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهوى، وكبحَه إيَّاه بلجام الشهوة. فهو أسير معه بحيث يسوقه إلى ضرب عنقه، وهو مع ذلك ملتفت إلى ربِّه وناصره ووليه، عالم بأنَّ نجاته في يديه، وأنَّ ناصية عدوه بيده (١)، وأنَّه لو شاءَ طرده عنه وخلّصه من يديه. فكلَّما قاده عدوه وكبحه بلجامه أكثر الالتفاتَ إلى وليِّه وناصره، والتضرع إليه، والتذلل بين يديه. وكلَّما زاد (٢) اغترابُه وبعدُه عن بابه تذكر عطفَه وبره وإحسانه وجوده وكرمه وغناه وقدرته ورأفته ورحمته، فانجذبت دواعي قلبه هاربةً إليه، متراميةً (٣) على بابه، منطرحةً على فنائه؛ كعبد قد شُدَّتْ يداه إلى عنقه، وقُدِّمَ لتضرب عنقُه، وقد استسلمٍ للقتل، فنظرَ إلى سيِّده أمامه، وتذكر عطفه ورأفته به، ووجدَ فُرجةً، فوثب إليه منها. فهَبْه (٤) طرَحَ نفسه بين يديه، ومدّ له عنقَه، وقال: أنا عبدك ومسكينك، وهذه ناصيتي بين يديك، ولا خلاص لي من هذا العدوّ إلّا بك، وإني مغلوب فانتصر. فهذا مشهد عظيم المنفعة جليل الفائدة تحته من أسرار العبودية ما لا يناله الوصف.

وفوقه مشهد أجلُّ منه وأعظم وأخصّ (٥)، تجفو (٦) عنه العبارة، وإن


(١) في الأصل: "به"، "مكان "بيده"، وكذا في "ف، ك". وكتب فوقه في "ف": "كذا". والمثبت من "ب". وفي "ط": "بين يديه". وقد كتب أوَّلًا في الأصل: "وأنَّ عدوَّه" ثم ضرب على "عدوه" فوصل خط الضرب إلى حرف النون في "أنَّ". ومن ثم حذف "أنَّ" في "ب، ك". وقد تحرف "عدوه" في "ك" إلى "هدوه" فكتب بعضهم فوقه: "بين يديه"، كما في "ط".
(٢) "ك، ط": "أراد"، تحريف.
(٣) "ط": "بتراميه"، تحريف.
(٤) "ب، ك، ط": "وثبة"، ولعله تحريف.
(٥) وهو المشهد السادس.
(٦) "ف": "وهو تجفو"، والظاهر أنَّ "وهو" مضروب عليه في الأصل.