للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما الظن بقلب غلبت خواطرُ النفس والشيطان فيه خواطرَ الإيمان والمحبة والمعرفة (١) فأخرجتها، واستوطنت مكانها؟ لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك، وأحسَّ بمصابه.

التاسع: أن يُعلم (٢) أنَّ تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلبُ في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص منه، فلا يجد إليه سبيلًا. فقلبٌ تملكه الخواطر بعيدٌ من الفلاح، معذَّبٌ، مشغولٌ بما لا يفيد.

العاشر: أنَّ تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامةَ والخزيَ. وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوسَ، وعزلته عن سلطانه (٣)، وأفسدت عليه رعيته، وألقته في الأسر الطويل.

كما أنَّ هذا معلومٌ في الخواطرِ النفسانية، فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية، هي أصل الخير كلِّه. فإنَّ أرض القلب متى (٤) بُذِرَ فيها خواطرُ الإيمان والخشية والمحبة والإنابة والتصديق بالوعد ورجاءِ الثوابِ، وسُقِيَت مرَّةً بعد مرَّةٍ، وتعاهدها صاحبُها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها، أثمرت له كلَّ فعل جميل، وملأت قلبَه من الخيرات، واستعملت جوارحَه في الطاعات واستقرَّ بها الملك في سلطانه،


(١) "ك، ط": "المعرفة والمحبة".
(٢) الأصل غير منقوط، فيجوز أن يقرأ "تعلم" كما سبق في السابع والثامن. والمثبت من "ف" وغيرها، وقد ضبط في "ب" بضم أوله.
(٣) "ك، ط": "سلطانها".
(٤) "ط": "إذا".