للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فينصرف من الصلاة وقد أثَّرت في قلبه وبدنه وسائر أحواله آثارًا تبدو على صفحاته ولسانه وجوراحه. ويجد ثمرتها في قلبه من الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، وقلَّة التكالب (١) والحرص على الدنيا وعاجلها. قد نهته صلاتُه عن الفحشاء والمنكر، وحبَّبتْ إليه لقاء اللَّه، ونفَّرته من كلِّ قاطع يقطعه (٢) عن اللَّه. فهو مغموم مهموم، كأنَّه في سجن، حتَّى تحضر الصلاة، فإذا حضرت قام إلى نعيمه وسروره وقرَّة عينه وحياة قلبه، فهو لا تطيب له الحياة إلا بالصلاة.

هذا، وهم في ذلك كلّه مراعون لحفظ السنن لا يُخِلّون منها بشيء ما أمكنهم. فيقصدون من الوضوءِ أكمله، ومن الوقت أوَّله، ومن الصفوف أوَّلها عن يمين الإمام أو خلف ظهره.

ويأتون بعد الفريضة بالأذكار المشروعة كالاستغفار ثلاثًا، وقول: "اللَّهم أنتَ السَّلامُ، ومنكَ السَّلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ" (٣)، وقول: "لا إلهَ إلا اللَّهُ وحده لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءِ قدير. اللّهم لا مانِعَ لِمَا أعطيتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منكَ الجدُّ، لا إلهَ إلا اللَّهُ، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، له النِّعْمَةُ وله الفضلُ وله الثَّناءُ الحسَن (٤)، لا إلهَ إلا اللَّهُ مخلصين له الدِّين ولو كَرِهَ الكافرونَ" (٥).


(١) "ك": "التكاليف"، تحريف.
(٢) "ب": "يقطع".
(٣) أخرجه مسلم في المساجد (٥٩١) من حديث ثوبان رضي اللَّه عنه.
(٤) "ف": "الحسن الجميل"، خلاف الأصل.
(٥) أخرجه مسلم في المساجد (٥٩٤) من حديث عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه =