للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا (١) حديث الإمام أحمد فهو الحديث بعينه إسنادًا ومتنًا، إلا أنَّه مختصر.

وأمَّا حديث أبي هريرة فلا يثبت مثلُه. ومن أبو العنبس ومن أبوه حتّى يُقبَل منهما تفرّدُهما بمثل هذا الأمر الجليل؟ وكيف يصحّ مثل هذا الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع شدَّة حرصه على التنفير من السيّئات، وتقبيح أهلها، وذفهم وعيبهم، والإخبار بأنَّها تنقص الحسنات وتضادّها؟ فكيف يصحّ عنه (٢) -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه يقول: "ليتمنينَّ أقوام أنَّهم أكثروا منها"؟ ثمَّ كيف يتمنَّى المرءُ إكثاره منها، مع سوء عاقبتها، وسوءِ مغبّتها؟ وإنَّما يُتمنَّى الإكثارُ من الطاعات. وفي الترمذيّ مرفوعًا: "لَيتمنينَّ أقوامٌ يومَ القيامة أنَّ جلودَهم كانت تُقرَض بالمقاريض، لِما يَرون من ثواب أهل البلاءِ" (٣). فهذا فيه تمنّي البلاءِ يوم القيامة لأجل مزيد ثواب أهله (٤). وأمَّا تمنِّي الحسناتِ، فهذا لا ريب فيه؛ وأمَّا تمنِّي السيئات، فكيف يتمنَّى العبدُ أنَّه كان (٥) أكثرَ من السيّئات؟ هذا ما لا يكون أبدًا. وإنَّما يتمنَّى المسيء أن لو لم يكن أساءَ، وأمَّا تمنّيه أنَّه


(١) "ف": "فأما"، خلاف الأصل.
(٢) "ب": "عن رسول اللَّه".
(٣) أخرجه الترمذي (٢٤٠٢) من حديث جابر وقال: "وهذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلَّا من هذا الوجه، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق قوله شيئًا من هذالا. والصواب أنَّه من قول مسروق مقطوع كما أشار إليه الترمذي، وأخرجه ابن أبي شيبة (١٠٨٢٩) وسنده صحيح إلى مسروق. وجاء من وجه آخر عن ابن مسعود موقوفًا عند ابن أبي شيبة (٣٥٥٩٠) وفيه جهالة الرجل من النخع. (ز).
(٤) زاد في "ط": "وهو تمني الحسنات".
(٥) "كان" ساقط من "ط".